إبداع في إعادة التدوير: تحويل المواد البسيطة إلى قطع فنية تحمي البيئة

خضنا تجربة ممتعة في إعادة التدوير، حيث حولنا العلب المعدنية القديمة إلى مزهريات أنيقة وحاملات أقلام. كانت هذه الفكرة تعبيرًا عن كيفية تحويل الأشياء البسيطة إلى قطع جميلة، مما يظهر قوة الإبداع في منح الأشياء القديمة حياة جديدة. كما نفذنا نشاطًا باستخدام كاسات الكرتون المستعملة، حيث حولناها إلى سلال أنيقة للضيافة والديكور. ركز هذا النشاط على تعزيز الإبداع والوعي بأهمية إعادة التدوير، من خلال استغلال المواد المتاحة وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة. تُظهر هذه الأنشطة كيف يمكن للإبداع أن يسهم في حماية البيئة بطرق مبتكرة. تحويل المواد البسيطة إلى أشياء جميلة لا يضيف فقط لمسة جمالية، بل يشجع أيضًا على التفكير في كيفية الاستفادة من الموارد المتاحة والحفاظ على البيئة.

 

من قصص النضال اللاعنفي…العلم والرياضة وجهان لعملة النضال السلمي

مقالة رأي
الكاتب : ريشان مسور

من قصص النضال اللاعنفي … العلم والرياضة وجهان لعملة النضال السلمي

إن مبدأ اللاعنف (المعروف أيضاً باسم “النضال اللاعنفي”)، يرفض استخدام العنف الجسدي لتحقيق تغيير اجتماعي أو سياسي. وهذا الشكل من أشكال الكفاح الاجتماعي، الذي كثيراً ما يوصف بأنه “سياسة الناس العاديين”، قد تبنته جماهير الناس في مختلف أنحاء العالم، في حملات ترمي إلى تحقيق العدل الاجتماعي.

وفي ظل موجة العنف وعدم الاستقرار الأمني التي تجتاح مناطق سوريا، وبالأخص منطقة شمال شرق سوريا، وبكل ما عايشته من الفقر والاستغلال وعدم الأمان والقتل خلال السنوات العشر الاخيرة من الثورة السورية 2011، أصبحت رائحة الدم والأشلاء التي تملأ حياتنا، لغتنا، إعلامنا، ثقافتنا، سلوكنا، بحيث يبدو الحديث عن لغة اللاعنف نوعاً من الترف أو من الخيال واللاواقعية. مع ذلك، ثمة أمثلة عديدة لدول وشعوب اختطت طريق ونهج اللاعنف في سبيل تحقيق أهدافها، ونجحت في ذلك.

إن النضال اللاعنفي ليس عملاً اعتباطياً، كما قد يتصور البعض، إذ قبل الشروع في أي نشاط لا عنفي، يجب امتلاك الرؤية الصحيحة لطبيعة القوة السياسية والجهود المدنية المعارضة التي يواجهها، لما في ذلك من أهمية في رسم التكتيكات والاستراتيجية، فالنظرة الخاطئة تؤدي إلى الفشل، كما يقول غاندي مؤسس حركة اللاعنف: لكي تكون وحدة الشعب حقيقية، يجب عليها أن تصمد أمام أقصى أنواع الضغط دون أن تنكسر.

<اللاعنف هو سلاح الاقوياء هكذا يردد دايما الدكتور مسور على مدار حياته.

وفيما يلي واحدة من قصص النجاح التي يمكن أن نضيء من خلالها على النضال اللاعنفي وثقافة اللاعنف:

في إحدى مدن سورية ومن قلب مدينة قامشلي، كان هناك رجل يُدعى ريبر .

كان ريبر منذ صغره مؤمنًا قويًا بأهمية النضال اللاعنفي وقيم السلام والتسامح، وملهما بمدى ارتباط الحياة السليمة مع الرياضة والعلم والثقافة. وكانت مدينته تعاني من توترات طائفية وصراعات مستمرة بين مجموعات مختلفة، حيث تتعدد فيها المكونات من عرب وأكراد ومسيحيين من الأرمن والسريان، والقليل من الايزيديين والتركمان، وتتمركز كل طائفة من كل مكون في منطقة معينة ضمن المدينة. تميزت مدينة قامشلي بالتنوع الثري للثقافات العرقية والقومية، إلا أنه لا يجب أن ننسى أنه في حالات نشوب الحروب والتوترات الأمنية “فكلٌ يبكي على ليلاه” وكل فرد يعبر عن انتمائه لطائفته، ويكون قادرا على حمل السلاح في وجه القوميات الأخرى والأفراد غير المنتمين لـتوجهاته السياسية أو القومية أو الحزبية.

كانت القامشلي وتحديداً في اليوم  12 مارس  2004 على موعد مع قضية عصيبة، بثت في قلوب الكثير من  (الاكراد والعرب ) الحقد والكراهية ، حيث أثارت مباراة كرة قدم في القامشلي بين نادي “الجهاد ”  الكردي ونادي “الفتوة”  العربي من دير الزور على أرض ملعب في القامشلي، اشتباكات عنيفة بين مشجعي الفريقين، والتي وصلت إلى حدِّ إطلاق الرصاص العشوائي وحرب شوارع ، أصيب على إثرها العديد من الأشخاص واستشهاد العشرات من أبناء مدينة القامشلي، والذين لا تزال ذكراهم  تخلد حتى اليوم.

ومن هذه القضية التي لا تزال حسرتها تلوع قلوب الكثير من الأمهات، وتؤجج الحقد جيلاً إثر جيل، بدأ ريبر مسيرته عندما كان في سن الثالثة عشر بانضمامه إلى النادي الرياضي لمنتخب الحسكة عام 1982 م، حيث مثَّل عدة أندية رياضية منها نادي رميلان لفئة الناشئين حتى عام ١٩٨٦ و نادي الجهاد لفئة الشباب عام ١٩٨٧م .

من بوابة الرياضة قرر أن يعمل على تغيير واقع مدينته بطرق سلمية، حيث كان يقضي أغلب أوقاته في الملاعب والنوادي، ويتعرف على الشخصيات المؤثرة من كافة المكونات، ويعمل على إجراء حوارات معمقة حول سبل دمج الشباب من كافة المكونات في الفريق الرياضي.

لم يكن ريبر لاعبا وممثلاً عن نادي الرياضي فقط، بل درس واختص في طب الأسنان في جامعة حلب وتخرج في سنة 1994 م.

واليوم تشكل عيادته موئلاً للفقراء والمحتاجين، في الوقت الذي تتزين أرففها بالكؤوس والميداليات الذهبية والفضية للنجاحات الرياضية التي تجمع أعداداً كبيرة من شباب المنطقة. كما يعمل أيضاً على تقديم الدعم للفئة الشابة من خلال تكفله بتعليمهم الدراسي وتدريبهم في النادي، ليصبحوا عائلته التي يساعدها لتواجه ظروف الحياة الصعبة، وليؤمن لهم فرص عمل مناسبة تساعدهم على العيش ومواجهة ظروف المعيشية الصعبة.

لا يزال ريبر يكمل مسيرته في عقد جلسات حوارية مفتوحة عن أهمية التسامح والاحترام والمقاومة السلمية بين أعضاء المجتمع والفئة الشابة من مختلف الطوائف والأعراق، ولاسيما تنظيم أنشطة رياضية تعزز التفاهم المتبادل والاحترام.

ومما يثير الإعجاب، أنه حتى وهو يمارس عمله على رأس المرضى، يتحدث ريبر عن أهمية دور الفرد في الحياة وأن الرياضة هي عبق الروح، وأنها المسكن القوي للسلام النفسي، ولاسيما الشباب الذين أصبح العنف وحمل السلاح أحد السمات الرجولية لديهم بعد تدهور الوضع الأمني فيها.

يؤكد ريبر أحد أبرز سمات النضال اللاعنفي في مسيرته فيقول:

” أهم وأبسط قواعد الحكم والتأثير على الأفراد تأتي من خلال الدفاع عن مبادئ وحقوق الإنسان أيًّا كان لونه أو شكله أو عرقه، وبكل تواضع وشجاعة وتفان دون غرور أو أنانية.

ريبر اليوم هو رئيس نادي الجهاد في الجزيرة، لم يقتصر أثره فقط على الجزيرة السورية، بل امتد إلى كافة المحافظات السورية من خلال اللعب مع كافة المنتخبات السورية من المحافظات الأخرى.

واجه ريبر العديد من التحديات في رحلته، في مقدمتها المقاومة الشديدة لمنهجه من قبل بعض الأفراد المتعصبين لأفكارهم القومية والدينية والطائفية، وذلك عبر منع أبنائهم من الانضمام إلى الحراك العلمي الرياضي، بهدف إبعادهم عن روح التآخي وزرع فتن ومعتقدات العصبية للمقاومة العنيفة، ومن أكثر التحديات تكرارا اضطراره لإغلاق عيادته بحكم الجلسات والحوارات التي كان يعقدها ،وضعف الموارد المادية التي تمكنه من تقديم المساعدات  للفئات الشبابية .

 استمر ريبر في عمله بإصرار وثبات إلى يومنا هذا، وعمل على ايجاد الحلول للكثير من القضايا العشائرية في المنطقة، ومثَّل فئة الشباب في مؤتمرات المجتمع المدني للمطالبة بحقوقهم، كذلك مثَّل الأطباء المميزين/ات ذوي الأثر الإنساني خلال الثورة في سوريا من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين والقيام بالعمليات السنية المجانية.

توسعت دائرة تأثير ريبر تدريجيًا، وبدأ العديد من الأشخاص في الانضمام إلى مسيرته من أجل السلام والتسامح والتعاون، حتى تم الاعتراف بالنادي ودوره البارز كأب روحي للشباب، من قبل السلطة الحاكمة في منطقة شمال شرق سوريا، وتمكينه من إقامة الحملات التوعوية للمجتمع المحلي حول أهمية التعايش السلمي والتنوع العرقي في المنطقة.

بفضل جهود ريبر والأفراد الذين آمنوا به وبقدراته، بدأت العقلية تتغير تدريجيًا في المنطقة، وبدأت المناطق تتعاون فيما بينها في مشاريع تنموية مشتركة، سواء كانت رياضية أو ثقافية أو اقتصادية، وتمتنع عن استخدام العنف كوسيلة لحل نزاعاتها.

وصل صدى نجاح ريبر وجماعته إلى مستوى أوسع، حيث حازوا على اهتمام ودعم منظمات دولية وشركاء تنمويين. وتمكنوا من توسيع نطاق عملهم إلى مناطق أخرى تعاني من نفس التحديات في سوريا.

كما أنه حقق نجاحا واسعا في إقامة مباراة في سنة 2021، والتي تعتبر المباراة الرسمية الأولى من نوعها منذ عام 2004 بين فريقي نادي الجهاد والفتوة، على أرض ملعب دير الزور، ولقد لاقوا ترحيباً كبيراً من أهالي دير الزور، حيث كان  الجمهور متعطشاً لرؤية مباريات  تجمع الشعب السوري سوياً .

في نهاية المطاف، تم تحقيق تحول كبير في منطقة. حيث تحولت الصراعات السابقة إلى تعاون وتفاهم، وارتفعت مستويات التعليم والصحة وفرص العمل. وأصبحت المنطقة نموذجًا يُحتذى به للنضال اللاعنفي وثقافة السلام.

تعتبر قصة نجاح ريبر درسًا حيًّا في قوة النضال اللاعنفي، وقدرته على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات المعقدة. فبفضل التفاني والإصرار والقيم السامية، تمكن من تحويل صراعاتهم إلى فرص السلام والتقدم.

ختاماً لا بد من التأكيد على أن العمل النضالي السياسي يجب أن ينصب على أهداف قابلة للتحقيق، من خلال الترويج للأفكار اللاعنفية، والعمل بالطرق السلمية، وإدانة كل من يدعو إلى خلاف ذلك ومن كل الأطراف، حتى نستطيع أن نقدم درساً يضاف إلى ما قدمته دول وشعوب أخرى سبقتنا في هذا المجال، واستطاعت عن طريق العمل السلمي، أن تتقدم وتخطو خطوات نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

الختام

روابط الإعلامية  عن انجازات ريبر :

https://www.facebook.com/share/sddMW3nmvqvdrPDi/?mibextid=ox5AEW

 

https://www.facebook.com/507963882741777/photos/a.507971082741057/508082609396571/?type=3&mibextid=ox5AEW

 

https://www.facebook.com/artafmsport/videos/%D9%86%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF/727590501141755/

 

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.


قوة التغيير السلمي في عالم متغير

مقالة رأي
الكاتب : محمد البوظن

قوة التغيير السلمي في عالم متغير

في خضم عالم تتصاعد فيه التوترات السياسية والاجتماعية، يبرز النضال اللاعنفي كقوة فاعلة للتغيير، مقدماً بديلاً سلمياً وفعالاً للصراعات المسلحة. هذا النهج، الذي يعتمد على وسائل سلمية لتحقيق أهدافه، يستند إلى فلسفة عميقة مفادها أن العنف يولد المزيد من العنف، وأن التغيير الحقيقي والدائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وسائل سلمية.

تاريخياً، قدم لنا النضال اللاعنفي نماذج ملهمة لقوته التحويلية. فمن خلال حركة العصيان المدني، قاد المهاتما غاندي الهند نحو الاستقلال، بينما نجح مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة في تحقيق تقدم كبير في مكافحة التمييز العنصري. هذه الأمثلة تؤكد على قدرة النضال اللاعنفي على إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات.

يعتمد النضال اللاعنفي على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، تتراوح بين الاحتجاجات السلمية والإضرابات الاقتصادية، وصولاً إلى أشكال أكثر تعقيداً من العصيان المدني والمقاومة الاقتصادية. هذه الاستراتيجيات لا تقتصر على رفض الظلم فحسب، بل تشمل أيضاً بناء بدائل اجتماعية واقتصادية، مما يعزز قدرة المجتمع على التغيير من الداخل.

في العصر الرقمي، اكتسب النضال اللاعنفي أبعاداً جديدة. فقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي عملية التنظيم والتواصل بين النشطاء، مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الاحتجاج مثل الحملات الإلكترونية. ومع ذلك، جلبت هذه التطورات تحديات جديدة، مثل المراقبة الإلكترونية وانتشار المعلومات المضللة.

رغم فعاليته، يواجه النضال اللاعنفي تحديات كبيرة. فقد تواجه الحركات اللاعنفية قمعاً عنيفاً من قبل السلطات، مما يتطلب قدراً كبيراً من الانضباط والإعداد للصمود دون اللجوء إلى العنف. كما أن الحفاظ على الزخم والتنظيم على المدى الطويل، والتعامل مع الانقسامات الداخلية، تمثل تحديات إضافية.

عند مقارنة النضال اللاعنفي بأشكال النضال الأخرى، نجد أنه يتميز بقدرته على تقليل الخسائر البشرية والمادية، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وجذب دعم دولي أكبر. ومع ذلك، هناك جدل مستمر حول فعاليته في مواجهة الأنظمة القمعية الشديدة، حيث يرى البعض أن بعض الأنظمة قد لا تستجيب إلا للقوة.

دراسات الحالة من مختلف أنحاء العالم، مثل الثورة المصرية عام 2011 وحركة المظلات في هونغ كونغ والحراك الشعبي في الجزائر عام 2019، تقدم دروساً قيمة حول نجاحات وإخفاقات النضال اللاعنفي. هذه التجارب تؤكد على أهمية التخطيط الاستراتيجي والمرونة في مواجهة التحديات المتغيرة.

النضال اللاعنفي كمنهج حياة :

النضال اللاعنفي ليس مجرد مجموعة من التكتيكات، بل هو فلسفة حياة وطريقة للتفكير تتجاوز حدود الاحتجاج السياسي. إنه يدعو إلى تغيير جذري في كيفية تعاملنا مع الصراعات على جميع المستويات، بدءًا من العلاقات الشخصية وصولاً إلى السياسات الدولية. هذا المنهج يشجع على التعاطف والتفاهم المتبادل، حتى مع الخصوم، مما يفتح الباب أمام حلول إبداعية للنزاعات.

في المجتمعات التي تتبنى مبادئ النضال اللاعنفي، نرى تحولاً في كيفية حل النزاعات في المدارس وأماكن العمل والمجتمعات المحلية. فبدلاً من اللجوء إلى العقاب أو الإقصاء، يتم التركيز على الحوار والوساطة والعدالة التصالحية. هذا النهج لا يعالج فقط المشاكل الفورية، بل يبني أيضًا مجتمعات أكثر تماسكًا وقدرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.

دور التعليم في تعزيز ثقافة اللاعنف:

التعليم يلعب دورًا محوريًا في ترسيخ مبادئ النضال اللاعنفي. من خلال دمج مفاهيم حل النزاعات بطرق سلمية في المناهج الدراسية، يمكن تنشئة جيل جديد مجهز بالمهارات اللازمة للتعامل مع الخلافات بطرق بناءة. هذا يشمل تعليم مهارات التواصل الفعال، والتفكير النقدي، والتعاطف، والقدرة على رؤية وجهات النظر المختلفة.

بعض المدارس حول العالم بدأت بالفعل في تطبيق برامج “السلام والعدالة” التي تعلم الطلاب كيفية حل النزاعات بطرق سلمية. هذه البرامج لا تقتصر على تعليم نظري فحسب، بل تشمل أيضًا تدريبات عملية وأنشطة تفاعلية تساعد الطلاب على تطبيق هذه المهارات في حياتهم اليومية.

النضال اللاعنفي في مواجهة التحديات العالمية :

مع تزايد التحديات العالمية مثل تغير المناخ وعدم المساواة الاقتصادية، يبرز دور النضال اللاعنفي كأداة فعالة للتغيير. فعلى سبيل المثال، حركات مثل “جمعة من أجل المستقبل” التي أطلقتها الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ، استخدمت تكتيكات اللاعنف لجذب الانتباه العالمي إلى قضية تغير المناخ.

في مجال العدالة الاقتصادية، نرى حركات مثل “احتلوا وول ستريت” التي استخدمت الاحتجاجات السلمية والاعتصامات لتسليط الضوء على عدم المساواة الاقتصادية. هذه الحركات، رغم أنها لم تحقق جميع أهدافها المباشرة، نجحت في تغيير الخطاب العام حول هذه القضايا وفي دفع صناع السياسات إلى اتخاذ إجراءات.

تحديات وآفاق مستقبلية:

رغم نجاحاته، يواجه النضال اللاعنفي تحديات جديدة في القرن الحادي والعشرين. فمع تزايد الاستقطاب السياسي في العديد من البلدان، أصبح من الصعب بناء توافق واسع حول القضايا. كما أن صعود الأنظمة الاستبدادية في بعض المناطق يجعل من الصعب على الحركات اللاعنفية العمل بحرية.

ومع ذلك، فإن التطورات التكنولوجية تفتح آفاقًا جديدة للنضال اللاعنفي. فالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، يمكن استخدامه لتحليل البيانات الضخمة وتحديد أنماط القمع، مما يساعد النشطاء على تطوير استراتيجيات أكثر فعالية. كما أن تقنيات الواقع الافتراضي يمكن استخدامها لخلق تجارب تعليمية غامرة حول النضال اللاعنفي، مما يساعد على نشر الوعي وبناء التعاطف.

 نحو مستقبل من السلام الإيجابي :

النضال اللاعنفي، في جوهره، هو دعوة لبناء ما يسميه عالم السلام يوهان غالتونغ “السلام الإيجابي”. هذا المفهوم يتجاوز مجرد غياب العنف المباشر ليشمل وجود العدالة الاجتماعية، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان. إنه رؤية لمجتمع يحل فيه الناس خلافاتهم بطرق بناءة، ويعملون معًا لمواجهة التحديات المشتركة.

في عالم يبدو فيه العنف والصراع وكأنهما القاعدة وليس الاستثناء، يقدم النضال اللاعنفي بارقة أمل. إنه يذكرنا بأن التغيير ممكن، وأن كل فرد لديه القدرة على المساهمة في بناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً. من خلال تبني مبادئ النضال اللاعنفي في حياتنا اليومية وفي مجتمعاتنا، يمكننا أن نكون جزءًا من حركة عالمية نحو مستقبل أكثر إشراقًا للجميع.

فالنضال اللاعنفي ليس مجرد وسيلة للمقاومة أو التغيير السياسي؛ إنه دعوة لإعادة تصور علاقاتنا مع بعضنا البعض ومع العالم من حولنا. إنه رحلة مستمرة نحو مجتمع يحترم كرامة كل فرد، ويسعى لحل الخلافات بطرق تعزز التفاهم المتبادل وتبني جسورًا بدلاً من الحواجز. وفي هذه الرحلة، يصبح كل واحد منا صانعًا للسلام، مساهمًا في
تشكيل عالم أكثر عدلاً وسلامًا للأجيال القادمة.

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

سيادة القانون في دولة المواطنة نهاية النفق السوري

مقالة رأي
الكاتب : رياض هاشم

إن الباحث في تاريخ التجمعات البشرية وسلوكها السياسي، يجد تقارباً كبيراً من حيث اعتمادها على شرائع أو أعراف تحكمها، ترتكز أحياناً على الدين كما في الحضارة الإسلامية أو على اتفاقيات وأعراف مجتمعية، كما في الحضارة البابلية في شريعة حمورابي. وهو أمر يؤكد بصورة أو بأخرى، قِدمَ القوانين وحتميتها في حياة أي مجموعة بشرية، ويثير التأمل في قدرة الانسان على اجتراح قوانين تواكب كل مرحلة يعيشها. وقد بلغ هذا التطور مداه في شكل الدول وشكل القوانين التي تحكمها، والذي استقر في نهاية المطاف على بنيان سياسي قانوني، شكَّل أرقى ما أنتجته الإنسانية من أنظمة حكم في القرن العشرين، ونعني به الدولة الديمقراطية المرتكزة على مبدأ المواطنة وعلى قوة القوانين وسيادتها.

ولعل هذا يتجلى أكثر ما يتجلى في دول الاتحاد الأوروبي، التي رغم تعدد مكوناتها البشرية في ألستنها وألوانها وأفكارها ومعتقداتها، إلا أنها تمكنت من تشكيل هوياتها الثقافية الخاصة بها، والاجتماع حول هوية وطنية واحدة.

لقد استطاعت الدول التي اعتمدت مبدأ المواطنة، أن تنتج قوانين وتشريعات تلبي طموحات شعوبها في تحقيق الأمان والاستقرار، وترسيخ العدالة والمساواة، والحفاظ على الحريات العامة والخاصة، بما يضمن مشاركة الجميع في صياغة دستورها الوطني، بل خلقت تدافعاً وتنافساً صحّياً بين المواطنين على اختلاف أفكارهم وانتماءاتهم، على حماية دستور بلادهم والتطوير الدائم للقوانين الوطنية بما يتناسب مع حركة تلك المجتمعات والمتغيرات الدولية.

بناء على ما سبق يبرز سؤال هام عن العلاقة ما بين دولة المواطنة الحديثة وسيادة القانون وسموِّه على جميع الأفراد والمجتمعات.

بداية يجب تتبع الآلية التي يتم من خلالها إنتاج القوانين وتطورها إلى أن استقرت على ما هي عليه في دولة المواطنة. فمن الناحية التاريخية، ارتبطت المنظومات القانونية بإرادة الحاكم المفردة باعتباره الهاً أو المفوض عن الآلهة، كما في الحضارات القديمة في مصر وغيرها، وصولاً لنظرية التفويض الإلهي في أوروبا القرون الوسطى. ومع تطور التجارب البشرية بدأت الشعوب تربح بعض الخصوصية من خلال صكوك يمنحها الحاكم نتيجة الثورات، كما حصل في الماجنا كارتا في بريطانيا، ولربما كان التحول واضحاً مع بداية الثورة الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر، حيث ولدت الجمهورية وبدأ وضع قواعد الدولة الحديثة، ثم تبعتها باقي الدول الأوروبية التي بدأت تحولاً كبيراً في بنائها السياسي والقانوني.

إن مفهوم سيادة القانون حسب معجم أكسفورد الإنكليزي، هو المبدأ الذي بموجبه يخضع جميع أعضاء المجتمع (بما في ذلك أعضاء الحكومة) للمساواة والعمليات القانونية التي يكشف عنها علنا. وأما مفهوم المواطنة المتساوية، فهو مجموعة من القيم،  كالانتماء والمشاركة الفعالة والتسامح والعدالة والحرية، والتي تؤثر على شخصية الفرد وتجعله أكثر إيجابية في إدراك ماله من حقوق وما عليه من واجبات نحو وطنه.

وبحسب تعريف المصطلحين (المواطنة وسيادة القانون)، يتضح مدى الترابط بينهما، فهما يرتكزان في جوهرهما على قيم الحرية والعدالة والمساواة وكرامة الإنسان، على عكس الدول الاستبدادية التي شُوِّهت تلك المصطلحات بشكل كبير، وسمحت بالحرية الفردية وصادرت الحريات الجماعية، وخرقت المساواة في المجتمع من حيث تكافؤ الفرص وتوزيع الامتيازات، بل وحطت من كرامة المواطنين، فالمقربون منهم ومن يتبعهم من العسكريين والسياسيين والتجار ورجال الدين، موفورو الكرامة، وأما الآخرون فلا كرامة لهم.

مَثَل القوانين والتشريعات في ظل دولة المواطنة (المواطنة المتساوية) كمثل زرع نبت في تربة طيبة خصبة ستلقى العناية والحماية من المواطنين أنفسهم، ويتجلى هذا الترابط بينهما في الآليات الصحيحة والمرنة في إنتاج القوانين، حيث يشترك الجميع في كتابة دستور بلادهم والتصويت عليه، ويعطونه شرعية حقيقية ويحرصون على تطبيقه، فهو يعبر عن إرادتهم ويلبي طموحهم، بل ويصبح المواطنون حراساً لدستور بلادهم.

في دولة المواطنة المتساوية يخضع الجميع لسلطة القانون حكاما ومحكومين، و تمثل الرقابة الشعبية على تطبيق القانون عاملاً مهماً في إبراز فعاليته.

إن ما حصل للمجتمع السوري عقب قيام الثورة من تشظٍّ كبير في البنية المجتمعية، تعدى إلى مراجعة الهوية الوطنية السورية،  هو أمر طبيعي ، لأنه يمثل الآلام الجانبية لعملية الولادة الجديدة والانعتاق من ربقة الاستبداد، التي تعيد تشكيل الهوية الوطنية بل وحتى الهويات الفرعية لكل مكون من مكونات الشعب السوري، فالكل أخرج ما عنده سلباً كان أم إيجاباً، والكل اختار طريقه الذي ظنه ينجيه من الزوال والضياع، فالمسيحيون أخذوا جانب الحياد لقناعتهم بأنهم أقلية، وكون الصراع بين أهل السنة والأقلية العلوية الحاكمة المدعومة خارجياً، سيجعلهم ضحايا على هامش المعركة. أما الطائفة الدرزية فكان حيادها بحجة أن الثورة إسلامية ومشروعها ليس كما يرتضونه، وللأسف وقع الدروز في نفس الخطأ خلال خروجهم الأخير منذ سنة حيث رفعوا رايتهم الخاصة. والأكراد كذلك انكفؤوا على مشروعهم القومي بمحاولة إنشاء دولة للكرد ورفع راية هذا المشروع، والعلويون وأنصارهم دخلوا في المشروع الإيراني (الفارسي)، ولباقي المكونات توجهات سياسية كثيرة لا يسعها المقال.

ربما بعد ثلاثة عشر سنة من الثورة، صارت لدى السوريين قابلية للتقسيم بحكم التعقيدات الدولية وتقاسم الدول الكبرى والإقليمية لمناطق النفوذ في سوريا، إضافة لرغبتهم الأساسية في إنهاء مأساة الحرب والعودة إلى بلدهم، ولعل الأقليات هم الأكثر رغبة بذلك، أما الحقيقة فهي أن المجتمع الدولي لن يسمح بتقسيم سوريا بل سيسعى للحفاظ على وحدة أراضيها، بالرغم من أن السلوك الحالي لتلك الدول من حيث تقاسم النفوذ ووضع قواعد عسكرية وعزمها على البقاء يصنع شكلاً من التقسيم وتوزيع النفوذ. حيث يرى الأمريكان أن وجودهم ضروري لحماية آبار النفط من الوقوع في أيدي الإرهابيين. وأما الأتراك فيبررون وجودهم بحماية حدودهم الجنوبية من الجماعات الإرهابية الكردية، والروس كذلك يبررون وجودهم بالحفاظ على الدولة السورية بشكلها الحالي، وأما الإيرانيون فيرون في دمشق قلعة في وجه المشروع الصهيوني. ولكن هذا التقسيم المتعمد هو أمر مرحلي، حيث الجميع يترقب بحذر الفرصة لفرض سيطرته على سوريا كاملة، وهو السبب في رغبة المجتمع الدولي في الحفاظ عليها كوحدة جغرافية واحدة.

إن الأذى طال كل المكونات بدرجات مختلفة على مدى ثلاثة عشر عاماً، وهذا يضع الجميع في صف واحد ضد الاستبداد، ويضع المسلمين السوريين والذين يشكلون 80% من سكان سوريا أمام استحقاق كبير بحكم دفعهم معظم فاتورة الثورة من قتل واعتقال وتهجير وضياع للممتلكات، بأن يكونوا حاملاً للدولة الجديدة (دولة المواطنة) وأن يحتضنوا جميع المكونات الإثنية.

وأظن أنه صار لزاماً على  السوريين أن يدركون أن دولة المواطنة المتساوية هي المخرج لهم، وذلك لوجود تنوع في البنية الديموغرافية كما أسلفنا، مع ضرورة العمل على التخلص من الولاءات للدول الخارجية والخروج من برامجها السياسية، والعمل ليلاً ونهاراً للتخلص من الأمراض السياسية والمجتمعية بين مكونات السوريين، وفي مقدمتها الإقصاء والتهميش وطمس الهويات وعدم احترام التوجهات الثقافية، والعمل على توزيع الامتيازات وتكافؤ الفرص، بحيث يربح الجميع ولا يخسر أحد.

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

حيادية الدولة ودورها في ترسيخ الوحدة الوطنية في المجتمعات التعددية

مقالة رأي
الكاتب : موفق العلي

حيادية الدولة ودورها في ترسيخ الوحدة الوطنية في المجتمعات التعددية

قد يختلف معنى مصطلح حياد الدولة بحسب السياق الذي يرد فيه، فهو في سياق القانون الدولي، يعني الحياد الدولي
أو عدم الانحياز، وهو في سياق السياسة، يعني حياد الدولة تجاه مواطنيها. وعليه يمكننا القول إن حياد الدولة نوعان:

دولي، وداخلي.

 الحياد الدولي

وهو يشير إلى وضع قانوني تمتنع فيه الدولة عن المشاركة في الصراعات الدولية، وتحافظ على مسافة متساوية من جميع الأطراف المتنازعة، بشرط أن تعترف الدول الأخرى بنزاهة تلك الدولة.

الحياد الداخلي

ويعني حياد الدولة تجاه مواطنيها، بحيث تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات المجتمع، بغض النظر عن الطوائف أو الأديان أو القوميات. هذا الحياد يحمي الدولة من إثارة أي نزاعات داخلية، خاصة في القضايا الحساسة مثل الدين، أو العرق أو الطائفة أو النوع الاجتماعي.

أهمية حيادية الدولة:

تعود أهمية حيادية الدولة، إلى أنها ليست فقط السبيل الوحيد إلى المساواة بين مواطنيها، وإنما كذلك السبيل إلى ضمان هذه المساواة، وأن يصبح الاختلاف في حياة المجتمع والفرد عامل إثراء وبناء، لا عامل تفرقة وهدم وصراع. وبذلك تكون الدولة ليست دولة هذه الفئة أو تلك، أو سلطة هذا الجنس أو ذاك، وإنما دولة كافة المواطنين على حد سواء.

فمن أهمّ الأسس، التي يجب التركيز عليها، عند الحديث عن الدولة، هو حياديّتها. وهذا ما يجب أن تكون عليه الدولة الديمقراطية تجاه مواطنيها، وإلا فإن ذلك ينتقص من ديمقراطيّتها، بقدر ما تقترب من إحدى فئات    مواطنيها وتبتعد عن غيره..

شروط حيادية الدولة:

تمهيد: الديمقراطية والاستبداد:

وبما أنه لا دولة بلا مجتمع، فإن حيادية الدولة يُفترض أن تتحقق في ظل مجتمع حيادي أيضاً، غير مجيّر أو مسيطر عليه لصالح أي نمط من أنماط الاختلاف، وبذلك يكون مجتمع الجميع، فلا يميّز أحداً عن أحد إلا بمقدار يقدمه للمجتمع، ولا يعطى لأحد في المجتمع إمكانيّة أن يهيمن عليه أو على الدولة.

وحتى تتحقّق حياديّة الدولة وعدالتها مع مواطنيها، وتتمكّن فعليّاً من أن تكون دولة حياديّة، لا بدّ من أن تتحقق فيها مجموعة من الشروط الذاتية (في الدولة) والشروط الموضوعيّة (في المجتمع) مع الإشارة إلى أن الحيادية والديمقراطية لن تكونا مطْلقتين؛ فالوصول إلى المطلق صعب المنال. لذا يكفي الاقتراب منه.

وبداية.. فإننا نتحدث عن “الدولة الديمقراطيّة”، فهي المعنيّة هنا، لأنها هي المُفترض أن تريد وأن يُراد منها أن تكون دولة حياديّة. فكما أن الحياد لا ينمو إلا في أحضان الديمقراطية، فإن الديمقراطية هي الأخرى لا تتجذر إلا في ظل الحياد. ولن ندخل هنا في جدال (البيضة والدجاجة) أي منهما كانت تسبق الأخرى.

أمّا الدولة الاستبداديّة فهي لا تريد ولا يمكنها أن تكون حياديّة. فهي سواء أكانت دولة سلطانيّة، أو دولة ديكتاتوريّة، أو دولة قوميّة، أو دولة دينيّة[1]، أو دولة دوغمائيّة. فستنحاز إلى ما يعزز استبداديتها..

ولكي تكون الدولة حيادية فلا بد من أن تكون بعيدة عن أيّ شكل من أشكال التسلّط، وألا يتملكها أيّ عنصر أو عامل فئوي، وأن تكون قائمة على أُسس عقلانيّة وعلميّة ووظيفيّة، وأن تكون “دولة الجميع”، وتضمن مصالح الجميع بشكل متساو.

1.               جدليّة الدولة والمجتمع:

قوة الدولة:

إن بناء أية دولة يحتاج إلى القوّة، فثمة دول تعتمد على قوّة السلاح كالدول الديكتاتوريّة، ودول تعتمد على قوّة الأعراف كالدول الملكيّة، ودول تعتمد على قوّة الدين كالدولة الدينيّة، أو على قوة الانتماء كالدولة القوميّة، أو على قوّة الدعم الخارجي، وهلمّ جرّا. ومقابل ذلك فثمة دول تعتمد على (قوّة شعبها ومجتمعها) وهي الدول الديمقراطيّة. فالمجتمع في النظام الديمقراطي هو الذي يمدّ الدولة بالقوّة اللازمة لكي تكون ديمقراطيّة، وهو الذي يمتلك القوّة الكافية ليمنع هذه الدولة من الانحراف عن الديمقراطيّة، ولكي يضمن استمرار الديمقراطيّة. ولكي يتحقّق له ذلك فلا بدّ للمجتمع من أن يكون “ديمقراطيّاً”، وكما هي الحال في علاقة ديمقراطيّة الدولة بحياديتها، فكذلك هو الأمر بالنسبة لعلاقة ديمقراطيّة المجتمع بحياديّته.

ماذا تعني حياديّة المجتمع؟

 حياديّة المجتمع تعني ألا يكون فيه أي شكل من أشكال التمييز أو التحيّز أو التسلّط، من أية فئة أو جهة، ففي مجتمع متديّن مثلاً قد يصبح الإلحاد وصمة تؤذى صاحبها بتهمة الكفر، وفي مجتمع طائفي، يتمّ فيه التمييز بين الناس على أساس دينهم، ربما يؤديّ هذا إلى الانتقاص من حقوق الأقليّات وحتى قمعها، وفي مجتمع ذكوري تنتقص قيمة المرأة وتُهمَّش، وكذلك الحال في مجتمع قومي أو عرقي، وهكذا دواليك. فلكي يكون المجتمع “حياديّاً” يجب أن يتجاوز كلّ ذلك، ويكون مجتمعا ديمقراطيا يتساوى فيه (الجميع)

إمكانية حياد المجتمع:

السؤال عن إمكانية حياد المجتمع سؤال مشروع. ففي بيئة تكثر فيها الانتماءات، يصبح من الصعوبة ضمان الحياد التام، حتّى في مؤسّسة صغيرة كالأسرة، فما بالك بمؤسّسة شاملة كالدولة؟! لذا يصعب التكهن بـإمكانية تحقيق “حياديّة المجتمع”، لأن بعض مستويات الحياديّة ترتبط ببعضها بشكل متكامل. فلا بد من أن يتعايش الجميع، ضمن تفاهم ولو على الحد الأدنى من الأخلاق المشتركة [2]، التي لا تسمح لأية فئة مهما عظمت بالتعدي على أية فئة مهما صغرت. وإلا تصادمت الأهداف، وزالت حيادية الدولة تماماً.

2.               إعادة نظر في بعض المفاهيم الحسّاسة:

 يمكن القول بناء على ما تقدّم: إنّ هناك علاقة جدليّة بين حياديّة الدولة وديمقراطيّتها من ناحية، وبين حياديّة المجتمع وديمقراطيته من ناحية ثانية، فالدولة الديمقراطيّة، التي تستمدّ قوّتها من مجتمعها، لن تجد في هذا المجتمع القوّة الداعمة، إلّا إذا كان مجتمعاً ديمقراطيّاً. وهكذا يجب إعادة تعريف الدولة الديمقراطيّة بأنّها الدولة التي تقود مجتمعاً مستقرّاً، أي متحررا من كافة مراكز السيطرة، وأشكال التجمّع ذات النزعات الخاصة، ومن أيّ شكل من أشكال التعصب أو التمذهب أو المصلحة أو الهيمنة. وبهذا يكون المجتمع مبنيّاً على أسس تحقّق حياديّته. فهل من الممكن وجود مثل هذه المجتمعات؟!

الجواب هو أن المجتمعات الليبراليّة الحديثة قطعت في هذا السبيل شوطا كبيراً، وما زالت تتقدّم فيه، ولكنها لم تصل بعد، إلى غايتها أو المثال الذي تصبو إليه، أو يصبو إليه أنصار الحيادية ودعاة الديمقراطية. فالوصول إلى المثالي المطلق ليس ممكناً, لذا فإن المطلوب هو الاقتراب من ذلك، من خلال توافق عناصر المجتمع على الحدود الدنيا المشتركة

3.               الخلاصة:

نخلص م ما تقدم إلى أنّ الدولة الديمقراطيّة لا تنمو إلا في أحضان مجتمع ديمقراطي، وأن حياديّة الدولة لا تتحقق إلا في مجتمع حياديّ. وبما أنّ مصدر قوّة الدولة الفعلي هو مجتمعها، فإن من الصعوبة فعليّاً بناء دولة ديمقراطيّة في مجتمع غير ديمقراطي، وهذا يعني أن حيادية الدولة تقتضي حياديّة المجتمع أيضاً، وهذا لن يكون ممكناً إلا بتجريد إخوة الوطن من وسائل العداء للمجتمع وديمقراطيّته وحياديته، وذلك عبر عقلنة الثقافة والاقتصاد، وقوننة نشاط الاختلاف، ولو في الحدود الدنيا المشتركة كما أسلفت، بما يتناسب مع العقلانيّة، ولا يتناقض معها أو يشكّل تهديداً لها.

[1] – مع أن السيد مهند هشام يرى أن الشريعة الإسلامية تسمح بالعمل الإنساني المحايد.. (المجلة الدولية للصليب الأحمر.)

[2] – يقول مارتن لوثر: (أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية)

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

تمكين النساء من أجل السلام

مقالة رأي
الكاتب : مصعب الصالح
تلعب المرأة دورًا محوريًا وأساسيًا في مجتمعاتها منذ القدم، إذ تعتبر قائدة داخل أسرتها وصانعة للسلام في أوقات
النزاعات. تتحمل مسؤوليات كبيرة تتراوح بين تربية أبنائها ورعايتهم إلى المساهمة في قيادة الدول. ولكن في العقود الأخيرة، لا سيما في مناطق النزاعات والحروب تراجعت قدرات المرأة بشكل ملحوظ، وأصبح دورها المجتمعي محدودًا. ففي سوريا التي أصبحت مقسمة بين قوى متنازعة، تقلص دور المرأة وانكفأت على نفسها، بسبب ما تعرضت له من تهميش وعنف واستغلال.

منذ عقود تسيطر في مدينة دير الزور السورية، عادات وتقاليد تشكل قيودًا كبيرة على النساء، تزايدت حدة خلال الحرب. فالنساء فيها  يعانين من الحرمان من التعليم والميراث، بالإضافة إلى الزواج القسري والمبكر. كما أن سيطرة التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش، أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوقهن، وجعلتهن الفئة الأكثر تضررًا. في تلك الفترات، اقتصر دور النساء على الأعمال المنزلية تحت ضغوط وقمع مستمرين، كما تعرضت النساء الإيزيديات لجرائم شنيعة.

ومع مرور الوقت، بدأت الظروف تتغير قليلاً، مما هيأ لبعض النساء فرصًا للمشاركة في العمل والانخراط في مبادرات مجتمعية، حيث تمكنت بعض النساء من المشاركة في مشاريع صغيرة وتلقي تدريبات مهنية، مما ساعدهن في تحسين أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، ظل هذا التقدم محدودًا بسبب القيود المفروضة من العادات والتقاليد.

دور المرأة في بناء السلام

مشاركة النساء في عمليات بناء السلام تعد عنصرًا أساسيًا لضمان نجاحها، فهن يشكلن نصف سكان العالم، ولا بد أن يكون لهن دور في صناعة الحلول. فالنساء يتميزن  بذكاء عاطفي وقدرة على التعاطف، وهما ميزتان يمكن أن تقللا من العنف وتخففا من حدة النزاعات. ورغم أن النساء غالبًا ما يتأثرن بشكل أكبر بالصراعات، إلا أنهن يؤدين دورًا مهمًا في تحقيق السلام.

في سوريا، وتحديدًا في دير الزور، كانت النساء الضحية الأساسية للصراع، لكنهن أيضًا كنّ عناصر فعالة في صنع السلام. وفي بعض الأحيان، تكون المرأة، وخاصة الأم، هي صاحبة القرار الحاسم في حل النزاعات داخل الأسرة والمجتمع، مما يسهم في تعزيز استقرار المجتمع. إن استبعاد النساء من عمليات صنع القرار يؤدي غالبًا إلى فشل العديد من مبادرات السلام. لذا، فإن تمكينهن وإشراكهن في هذه العمليات سيؤدي إلى حلول أكثر شمولية واستدامة.

كما أن دعم النساء من خلال المشاريع الصغيرة وبرامج التدريب يعزز من دورهن في المجتمع ويتيح لهن فرصًا أكبر للمساهمة. كذلك فإن دور المرأة في التعليم لا يقل أهمية، فهي تتحمل مسؤولية تعليم وتربية الأجيال، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك.

ختاماً، يجب إعادة ثقة المرأة في قدراتها، حتى تستمر في العمل من أجل التغيير. فالنساء اللواتي يكافحن من أجل حقوقهن ومكانتهن، سيكنّ عناصر فاعلة في بناء السلام وتعزيز الاستقرار.

لذلك ينبغي أن تستمر جهود المنظمات في تشجيع النساء على المشاركة في حملات التوعية وبرامج التدريب والتأهيل السياسي والاجتماعي، وفي دعمهن بالمشاريع الصغيرة، وخاصة الأرامل منهن، وهو ما سينعكس على المجتمع ، ليكون أكثر تماسكًا واستقراراً وسلاماً.

تحديات المواطنة في الحالة السورية

مقالة رأي
الكاتب : علياء عتم

تحديات المواطنة في الحالة السورية

 

 

لا شك أن مفهوم المواطنة يقوم على وضع قانوني وسياسي، يتمتع به الأفراد الذين ينتمون لدولة معينة، كما تعبر عن انتماء الأفراد لمجتمع ما، بما يتضمنه هذا الانتماء من حقوق للأفراد وواجبات ومسؤوليات، كما يقوم على المساواة بين جميع المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون وأمام الجهات المسؤولة عن إنفاذه، الأمر الذي يستلزم حيادية الدولة تجاه جميع مواطنيها بصرف النظر عن انتماءاتهم الدنية والإثنية، واستئصال ومنع كافة أوجه التمييز سواء أكان في التشريع أوفي التطبيق.

  • تحديات المواطنة في سوريا كيف كانت في السابق؟ وكيف بدت بعد قيام الثورة السورية؟

– تتحدد المواطنة في المقام الأول بعلاقة الدولة بالمواطن، حيث إن المواطنة تتطلب في أساسها شعوراً لدى الفرد بالمساواة مع غيره من أفراد المجتمع، ونتيجة لذلك الشعور، يتولد الالتزام المتبادل بين المواطن والدولة، وعلى قدر ما تتعامل الدولة مع الفرد كمواطن متساو مع أفراد مجتمعه، وتصون بقوانينها ومؤسساتها حريته وكرامته وملكيته، على قدر ما يتشكل لدى الفرد وعيه بمواطنيته، وشعوره بهويته الوطنية.

ومن خلال السياسات العامة للدولة التي تدعم بناء هذا الوعي، ومن ثم الهوية الوطنية التي يفرزها الوعي المتشكل لدى الفرد، تنشأ علاقة المواطنة الصحية التي يطمئن بها الفرد لحقوقه لدى الدولة، ويتفهم واجباته تجاهها، وهذا الأمر لم يكن موجوداً في المجتمع السوري لا في السابق ولا حتى في الوقت الحالي لأسباب عديدة سوف يتم تسليط الضوء عليها.

– يعاني المجتمع السوري على صعيد آخر من ضعف معززات الوعي الديمقراطي المرتبط بمعدلات مستوى المعيشة وجودة التعليم والصحة والثقافة السياسية التي تعتمد عليها نظريات التحديث الغربية كأساس لنشوء الديمقراطية، هذه المدخلات وغيرها  تحدد سبب ضعف شعور الفرد السوري بهويته الوطنية التي تؤمن له الشعور بالانتماء أو بضرورة الانتماء إلى الجماعة السورية، فالمشكلة لا تكمن في التنوع الهوياتي له، فكل إنسان في أي مكان في العالم يمكن اعتباره مركباً هوياتياً (العرق، القومية، الدين، الطائفة، العقيدة، الطبقة، …) ، وأن انتماءه هذا يصون حريته وكرامته وملكيته.

ومما لا شك فيه أن كل بلد ديمقراطي يعاني من عقبات وتحديات بمختلف أشكالها، لكن ما يسهل من تخطيها، هو كيفية إدارة الحكومات لها، وترجمتها من خلال آليات تطبيقها على أرض الواقع.

وفي المجتمعات العربية عامة، والمجتمع السوري خاصة، ثمة عقبات كثيرة خلّفَها حكم البعث منذ استلامه السلطة، والتي يمكن تشبيهها بالسدود العالية المتينة، التي رسخها نظام البعث في سبيل إحكام قبضته على الحكم.

ولعل من أبرز تلك العقبات:

  • التمييز العنصري بين فئات ومكونات الشعب السوري والتي ترتكز على أساس (العرق – الدين – الطائفة – الجنس – الآراء والمواقف السياسية) وغيره، فوفق ما أشار استطلاع للرأي أجرته منظمة اليوم التالي في سبتمبر/ 2021 بعنوان ” انطباعات السوريين والسوريات حول المواطنة والهوية” فقد “عبرّ ما يقارب 84% من السوريات والسوريين عن تعرضهم/ن لتمييز أو اضطهاد مبنيّ على انتمائهم/ن الهوياتيّ, تحديداً بما يتعلق بالتمييز على أساس الدين والطائفة ، بنسبة وصلت الى 20% ، يتبعه التمييز على أساس الموقف أو التوجه السياسيّ بنسبة 18% ،والتمييز بناء على مكان الولادة أو المسكن الأصليّ بنسبة 14% ، ثم التمييز بناء على الانتماء القومي بنسبة 13% “{1} .

 ونرى من خلال ذلك أن درجة التمييز عالية جداً، وهذا يعتبر من أخطر وأهم العقبات الناتجة عن حكم البعث والمستمرة حتى وقتنا هذا.

ولو تطرقنا الى المكونات السورية التي كانت ولا زالت تعاني من بطش حكم الأسد، من حرمانهم من  حقوقهم المدنية، فقط لأنهم جماعات متنوعة الطوائف والأديان والأعراق، لرأينا أن ظلم وتهميش هذه الفئة لا يقارن بأي ظلم عرفه المجتمع العربي من قبل، حيث أكد استطلاع المذكور أيضاً أن ” السوريون الكرد كانوا الأكثر تعرضاً للاضطهاد أو التمييز المبني على الهوية مقارنة ببقية القوميات المستبيَنة، تحديداً في مؤسسات الدولة الرسمية والقطاع التعليمي ، كالمدارس والمعاهد والجامعات . كما بينت النتائج الموزعة على الخلفيات الدينية والمذهبية للعينة، ارتفاعاً في نسب الأقليات الدينية والطائفية، التي عبرت عن تعرضها لتمييز بناءً على انتمائها الديني مقارنة بالمستبينين من الطائفة السنية, حيث بلغت هذه النسب 30% عند الدروز و26% عند العلويين و 25% عند المسيحيين مقارنة ب 18% عند السنة ” {2}

  • الهجرة الداخلية والخارجية للسوريين والوضع الاقتصادي المتردي في الداخل:
  • كانت المواطنة مغيبة تماماً في زمن حكم البعث الاستبدادي، وذلك نتيجة استخدامه لأساليب ممنهجة، عملت على تفريق السوريين من حيث الاختلاف الدينيّ أو المناطقّي أو العرقيّ أو غيره، ولهذا لم تكن حالة المواطنة موجودة أساساً.
  • أما بعد قيام الثورة وانتقال حراكها من الحالة السلمية الى الحالة العنفية من خلال استخدام النظام المجرم أساليبه القمعية في تشريد وتهجير معظم أبناء المجتمع السوري داخلياً وخارجياً، أصبح هم كل مواطن سوري البحث عن ملاذ آمن يأويه بعيداً عن حالة الخوف والزعر، سواء من القصف المستمر أو من حالات الاختفاء القسري، أو الاعتقال التعسفي الذي طال مئات السوريين في مختلف القرى والمدن. وقد أصبحت معاناة السوريين في الداخل لا تخفى على أحد من فقرِ وسوء في الرعاية الصحية وضعف في التعلم وغيره.
  • والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل السوريون النازحون القاطنون في المخيمات لديهم شعور بالانتماء لسوريا ككل أو حتى لبلداتهم وقراهم، مقارنة مع شعور السوريين المهجرين في دول اللجوء؟

 بديهياً لا توجد مقارنة، فكل شريحة لديها آراء مختلفة حول ذلك، حتى السوريون المقيمون في الداخل يتفاوت شعورهم بالانتماء، فالشخص القاطن في الخيام لا يعنيه الانتماء، بقدر ما يعنيه البحث عن حياة كريمة وعن لقمة عيش لأسرته، بينما الشخص القاطن في منزل ووضعه المعيشي جيد لديه شعور أعلى بالانتماء ربما.

  • كما أن التهجير القسري والخروج الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أفقد السوريين الكثير من حقوقهم المدنية، فغياب المظلة القانونية في شمال غرب سوريا أدى الى ضياع حقوق الأفراد بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم.
  • ولا ننسى أيضا أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المناطق المحررة من اقتتال داخلي بين الفصائل، الى عدم وجود سلطة رادعة لأعمال الشغب والعنف، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تحقيق أدنى مقومات المواطنة.

  • العادات والتقاليد في المجتمع السوري سابقاً واستمرارها حتى يومنا هذا (عدم المساواة في الحقوق)
  • لا تزال العديد من القرى والمدن تكرس عدداً من العادات والأعراف البالية، فالأدوار النمطية لكلٍّ من الرجل والمرأة تحرم النساءَ من حقهن في تقرير مصيرهن، فالنساء لا يتحكّمن في حيواتهن، ولذلك يُحرمن من الدرجة الأولى من المسؤولية.

وهذا ما نجده في تشريعات دول ما زالت تستند في نصوص قوانينها على مبدأ الولاية الأبوية الذكورية، أو تتسامح مع القتل تحت مسمى “جرائم الشرف” .

  • الحوكمة الغائبة أو المنسية في مؤسسات المجتمع المدني:

هناك ارتباط وثيق بين المواطنة والحوكمة من الناحية العملية الواقعية؛ إذ كيف لنا أن نتخيل سوريا الجديدة التي تسودها سيادة القانون والديمقراطية، دون وجود مؤسسات وتجمعات تعمل بشتى المجالات، وهي لا تطبق مبدأ الحوكمة الرشيدة. إن غياب تطبيق الحوكمة في المؤسسات المحلية والتجمعات والاتحادات القائمة،  يفقدها مساحة كبيرة من دورها الجوهري في المجتمع، بدءاً من غياب المساءلة والشفافية، وصولاً إلى انعدام المشاركة الفعّالة للأفراد وتهربهم من المسؤولية المترتبة على عاتقهم.  لذلك لا بد أن يكون هناك خطط فعّالة حقيقية تطبّق فيها مبادئ الحوكمة وتعمل على نشر هذه الثقافة.

لقد كان الفساد الإداري في مؤسسات الدولة واضحاً وضوح الشمس، من غياب الرقابة والمساءلة، إلى غياب فهم الأدوار وتداخلها.  لذلك، لا بد من محاربة هذه الظواهر والعمل على منع وجودها في مؤسساتنا المستقبلية.

ختاماً نقول إن المواطنة الفاعلة، لا تتحقق إلا في دولة ديمقراطية ترعى حقوق وحريات أفراد المجتمع السوري، بحيادية ومساواة تامة أياً كانت انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية، فالمواطنة هي البوصلة التي سترشدنا في رحلة الوصول إلى ” سوريا العظيمة الخالية من بشار الأسد كما قالت الراحلة ميّ سكاف.

  • المراجع:

{1} منظمة اليوم التالي – تاريخ النشر: تشرين الثاني 2021 – استطلاع رأي بعنوان” انطباعات السوريين والسوريات حول المواطنة والهوية” – رقم الصفحة 2

{2} رابط البحث : final (AR) المواطنة RGB (tda-sy.org)

{3} اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34 / 180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

المواطنة كأساس لبناء دولة مدنية في سوريا

مقالة رأي
الكاتب : مصعب الجبان

المواطنة كأساس لبناء دولة مدنية في سوريا

في ظل التحولات العميقة التي تشهدها سوريا، يبقى مفهوم المواطنة أحد المفاتيح الأساسية لبناء دولة مدنية قادرة على استعادة الاستقرار وتحقيق العدالة الاجتماعية. فالمواطنة ليست مجرد علاقة قانونية بين الفرد والدولة، بل هي حالة اجتماعية وثقافية تعكس انتماء الفرد إلى المجتمع. تشمل الحقوق والواجبات دون تمييز أو إقصاء، بناء  الانتماءات العرقية أو الدينية و الاجتماعية، فضلاً عن الشعور بالانتماء والولاء للدولة.

كانت سوريا موطناً لمجموعات إثنية ودينية متنوعة، من عرب وأكراد وتركمان، ومسلمين ومسيحيين، وغيرهم. ولكن منذ الاستقلال، تعرضت فكرة المواطنة إلى التهميش لصالح الهويات الفرعية والطائفية، مما أدى إلى تصدع النسيج الاجتماعي واستغلال هذا التنوع لأغراض سياسية.

ولعل الاستبداد السياسي هو من أبرز العوائق التي تحول دون تحقيق المواطنة الحقيقية في سوريا. فالنظام السياسي في سوريا والذي استمر لعقود، اعتمد على سياسات القمع والتمييز، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية. ومن ثم، أصبحت الطائفية وسيلة للسيطرة السياسية والاجتماعية، الأمر الذي نتج عنه تهميش حقوق الأفراد كمواطنين، وتحويلهم إلى “اتباع” ضمن بنى طائفية مغلقة. إن الانتقال من “الطائفية السياسية” إلى “المواطنة” ضرورة ملحة لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا. فالمواطنة الحقيقية تستند إلى مبادئ العدالة والمساواة أمام القانون، حيث تُعامل جميع الفئات بموجب قانون واحد يضمن حقوقهم ويحدد واجباتهم.

تعد الدولة المدنية أحد النماذج التي تستند إلى فكرة “المواطنة” كأساس لنظام الحكم. والدولة المدنية ليست “دولة علمانية” بالمعنى الذي يلغي الدين من الحياة العامة، بل هي دولة تحترم التعددية الدينية والثقافية، فتقوم الدولة على حكم القانون، وليس حكم الأشخاص، أي أن جميع الأفراد، بمن فيهم من  في السلطة، يخضعون للقانون.

و”المجتمع المدني” مصطلح شاع استعماله في الأدبيات الغربية مع بدايات عصر الأنوار، وذلك للتميز بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأهلية، بيد أن غياب المصطلح من الأدبيات التراثية وارتباطه بالأدبيات الغربية لا يعني بأي حال غياب الظاهرة عن المجتمعات العربية والإسلامية، بل يمكننا القول: إن المؤسسات التي حكمت المجتمعات العربية والإسلامية تاريخياً، كانت في غالبها مؤسسات مجتمع مدني لا مؤسسات دولة، فالمؤسسات التعليمية والنقابات الحرفية والمؤسسات التجارية، ارتبطت من حيث التأسيس والتمويل بالمجتمع المدني، واعتمدت على مؤسسة الوقف. والتشريعات العامة بما في ذلك نظام الضرائب أو زكاة المال مثلاً، ارتبطت بالشريعة الإسلامية، وانحصرت مهام الدولة عبر العصور بمسائل العلاقات الخارجية وقضايا الأمن العام وحماية الحدود.

لقد أدى دخول مؤسسات الدولة الحديثة والقانون المركزي إلى المجتمعات الإسلامية بعد نهاية الدولة العثمانية وخلال فترة الاستعمار الأوروبي إلى إحداث تغييرات جذرية في بنية السلطة، ففي سوريا مثلا، أدى تبني نموذج الدولة السوفيتية ذات الحزب الواحد والسلطة المركزية عقب الاستقلال، إلى القضاء على استقلالية مؤسسات المجتمع المدني السوري.

وفي السياق السوري وما يمر به من أزمات عميقة تبرز ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية كخطوة أساسية. ولا يمكن أن يتم ذلك دون معالجة آثار الانتهاكات التي وقعت خلال السنوات الماضية. إن تحقيق العدالة والمساءلة يعدان جزءا لا يتجزأ من بناء الثقة بين المواطنين والدولة، ويؤسسان لمرحلة جديدة من المواطنة التي تستند إلى الاحترام المتبادل والمساواة.

كما يجب أن يلعب التعليم دوره الحيوي في بناء وتعزيز مفهوم المواطنة. فالمناهج التعليمية يجب أن تعزز قيم المواطنة، وتغرس في نفوس الطلاب مفاهيم المساواة والعدالة. مما يساهم في تشكيل الوعي المجتمعي. ومن هذا المنطلق لابد من إصلاح النظام التعليمي في سوريا ليكون أكثر شمولاً وتنوعاً، بحيث يتيح لكل فرد الفرصة للتعرف على تاريخ وثقافة الآخرين، ويدرك أهمية المواطنة كعامل موحد للمجتمع.

في سياق ذلك يعتبر المجتمع المدني الجسر الذي يربط بين المواطنين والدولة، ويسهم في تعزيز الحوار والتعاون بين الفئات المختلفة. والمجتمع المدني يمكنه أن يلعب دوراً في تقديم الخدمات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه ممارسة دور رقابي على أداء الحكومة. ولابد أن يأخذ المجتمع المدني دوراً فعالاً في بناء مؤسسات قوية تقوم على الشفافية والمساءلة، وهو ما يعد جزءًا أساسيًا من تحقيق المواطنة الفعالة.

“إن المواطنة ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي منظومة من القيم والممارسات التي يجب أن تنعكس في السياسات والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية”

والطريق إلى المواطنة في سوريا نعترضه عقبات كثيرة، فالاحتقان الاجتماعي، التمييز العرقي والطائفي، والفساد والمحسوبية، وغياب الأمن والاستقرار، والهجرة والنزوح. كلها أسباب تعيق تحقيق المواطنة. ولا مفر من العمل على معالجة هذه القضايا من خلال سياسات شاملة، تعزز التفاهم والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع السوري.

من المهم أن ندرك أن الإصلاح في أي من المسارات التربوية والثقافية والقانونية والإدارية، يتطلب قيام قوة اجتماعية تتبنى أطروحات الإصلاح، وتسعى جاهدة إلى تحقيقه، كما يتطلب توفير مساحة كافية للحركة ضمن كل من المسارات الإصلاحية المشار إليها آنفاً. وبعبارة أخرى، ثمة حاجة إلى تمكين مريدي الإصلاح من إحداث تغييرات في مجالات التربية، والتعليم والإدارة والاقتصاد. والتمكين هنا يعني نقل النفوذ السياسي إلى القوة الاجتماعية التي تمتلك إرادة الإصلاح كما تملك المصلحة في تحقيقه.

إن بناء دولة مدنية قائمة على المواطنة في سوريا يتطلب جهدا جماعيا يشمل إصلاح المؤسسات، وتعزيز التعليم، وتحقيق العدالة الانتقالية، وتفعيل دور المجتمع المدني. وإن تحقيق المواطنة يتطلب جهودًا مشتركة من جميع الفاعلين في المجتمع، سواء كانوا حكومات أو منظمات مجتمع مدني أو مواطنين عاديين. لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا من خلال إرادة سياسية صادقة، ورؤية مجتمعية تتجاوز المصالح الفئوية إلى مصالح وطنية جامعة. وإذا ما تحقق هذا الهدف، فإن سوريا ستكون قادرة على تجاوز أزماتها، والانطلاق نحو مستقبل يسوده السلام والاستقرار والازدهار. إن المواطنة ليست مجرد مفهوم، بل هي ضرورة حتمية لبناء مستقبل أفضل لسوريا وشعبها العظيم.

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

الروابط الوطنية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان

مقالة رأي
الكاتب : موفق أحمد العلي

الروابط الوطنية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان

  1. الوطنية والقومية:

ثمّة لَبْس، في الفكر السياسي الحديث، عند استخدام مصطلحَي القومية والوطنية؛ فهذان المصطلحان في استخدامهما في العالم العربي المعاصر، مستوردان كما هما، في استخدامهما في الثقافة الغربية أصلاً.

وعلى الرغم من أن القومية والوطنية مصطلحان متقاربان، ويعبران عن الولاء المشترك، فإن كليهما ذو محتوى غير مستقر، لذا يجب التعامل معهما بشيء من الحذر؛ إذ تنطوي معانيهما في اللغات المختلفة، على ارتباطات وإيحاءات، منها العالية ومنها دون ذلك.. فقد نتفق على أن الوطنية هدف جيد، وشعور نبيل. ولكن هذا الاتفاق يضعف عند الحديث عن القومية، وخاصة عندنا معشر العرب، إذ إن الفكر القومي العربي عندنا يقف في شبه مواجهة مع الدين.

وإذا كانت القومية قد قامت على روابط ومقومات ومحددات واضحة ومعروفة: (كاللغة أو العرق أو الأرض أو الدين أو المشيئة المشتركة) فإن الروابط والمحددات والمقومات الوطنية ليست بتلك الدقة، إذ ربما يكفي فيها: تقبل الآخر، والعيش المشترك، والأرض، والاحتكام إلى الدساتير والقوانين الناظمة المتفق عليها. وهنا يبدو الاتفاق بينهما في (الإرادة المشتركة)

وإن بدايات ظهور هذه الأنواع من الولاء، في المنطقة العربية، كانت مطبوعة بطابع الوطنية وليس القومية، كما أنها كانت قد نشأت متأثرة بسابقاتها في أوروبا: (فرنسا وبريطانيا وربما إيطاليا) حيث تم تعريف الوطن والمواطنة، على أنهما الولاء الذي يكون فيه المواطن مديناً لوطنه. وعادة ما يتم تسديد هذا الولاء إلى الحكومة في الوقت المناسب[1]·

  1. ماذا تعني حقوق الإنسان :

حقوق الإنسان هي المبادئ الأخلاقية، أو المعايير الاجتماعية، التي تصف نموذجاً للسلوك البشري، الذي يُفهم منه عموما بأنه مجموعة من الحقوق الأساسية، التي لا يجوز المساس بها، وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص، لمجرد كونه إنساناً. في البقعة التي يعيش فيها (الوطن) أو في العالم (المواطنة العالمية)

وهذه الحقوق ملازمة للإنسان، بصرف النظر عن هويته، أو وطنه، أو لغته، أو ديانته، أو أصله العرقي، أو أي وضع آخر. وتعد حماية هذه الحقوق مصانة ومحترمة، في إطار القوانين المحلية، وحتى الدولية.

ومن أهم نواتج حقوق الإنسان السلام المجتمعيفكلما عزز المجتمع حقوق الإنسان لشعبه، وحماها ووفَى بها، زادت فرصه في الحد من العنف، وفي حل النزاعات سلميا، أي في استتباب الأمن والسلام.

  1. المساواة في الإسلام :

ولا بأس هنا من الإشارة السريعة إلى أسبقية الإسلام وأوليته ، في إعلان حق المساواة، قولا وفعلاً:

  1. فالناس في الإسلام سواسية أمام الشريعة، حيث جاء في الحديث الشريف” كلكم لآدم وآدم من تراب. لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى”
  2. ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
  3. وقد طبق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك بعبارته الشهيرة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟.)

وهذه ليست أول دعوة وأول تطبيق لحقوق الإنسان في العالم فقط، ولا أول مواطنة في تاريخ البشرية فحسب، ولكنها أول دعوة إلى المواطنة العالمية، وإن اختلفت المصطلحات بحسب العصور التاريخية.

  1. قانونية حقوق الإنسان:

إن هذه الحقوق، الإنسانية والوطنية، هي حقوق تنص عليها الدساتير والقوانين والمواثيق والمعاهدات، فلا يجوز أن تُنتزع أو يتم التجاوز عليها، إلا من خلال إجراءات قانونية، ومحاكمات رسمية أصولية، تضمن عدم ضياع تلك الحقوق، وتقر بأنّ لجميع أفراد الأسرة البشرية، قيمةً وكرامةً أصيلة فيهم.

وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته الشخصية، في ظل وطن حر وعادل.

  • فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية، وبحقوقها المتساوية الثابتة، يعـد ركيزة أساسية للحرية والعدل، وتحقيق السلام في الوطن، ومن ثم في العالم.
  • وازدراء حقوق الإنسان، أو إغفالها، أو التغاضي عنها، أمر يفضي إلى كوارث وطنية، وأعمال همجية ضد الإنسانية، تؤدي إلى الإيذاء، وتخلف جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني.
  • ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن تتولى القوانين الوطنية والتشريعات الدولية ، حماية حقوق الإنسان؛ لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان والضمير الإنساني جميعا، وانتشاراً للعنف والتطرف، المغلفين بغلاف الحق والعدل، والمعززين بحجة حماية حقوق الإنسان.
  1. المواطنة وحقوق الإنسان:

يلتقي مفهوم المواطنة مع مفهوم حقوق الإنسان، ويتداخل معه في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث يمكن القول: إنهما وجهان لعملة واحدة. ويمكن أن نكتشف هذا التداخل بوضوح، عندما نرجع إلى تاريخ ظهورهما والاهتمام بهما.

فالاهتمام بقضية حقوق الإنسان هو اهتمام بأن يكون للفرد هوية في مجتمعه، أي تأكيد على مواطنة الفرد، وانتمائه إلى كيان اجتماعي أكبر منه. وكذلك فإن الاهتمام بعضوية الفرد في المجتمع “كمواطن” هو اهتمام بحقوق هذا المواطن، بوصفه إنساناً بشراً، وهو اهتمام بما يطلب منه من واجبات عليه أن يؤديها للوطن، مقابل الحقوق التي ينالها، في إطار الوطن.

ويحدث الالتقاء بين المواطنة وحقوق الإنسان في كل معنى من معاني المواطنة:

1) فإذا فهمنا معنى المواطنة فهماً قانونياً، فإننا نفهمها علي أنها عضوية قانونية داخل الدولة، يكتسب من خلالها الفرد وضعاً قانونياً حقوقيا، يرتبط بحمل الجنسية، ووثائق الهوية القانونية، وغيرهما. وإذا فهمت المواطنة بهذا المعني القانوني؛ فإنها ترتبط بالحقوق، فلا مكانة قانونية إلا وراءها حقوق مكتسبة، أقلها الحصول على الوثائق المؤكدة للهوية القانونية.

2) وإذا ما اتسع فهم معنى المواطنة ليشمل العضوية في المجتمع، وما يرتبط بذلك من العمل والمشاركة السياسية، والمشاركة في الفرص المختلفة، التي يوفرها المجتمع، تأتي قضية الحقوق في الصدارة، حيث تعرف عضوية المجتمع عبر الاستحقاقات التي تخول للمواطنين أن يتمتعوا بها، وعبر الواجبات التي توجب عليهم أن يقوموا بها.

3) وإذا ما فُهمت المواطنة على أنها القاعدة التي تتأسس عليها الدولة الوطنية، التي تشكل الوعاء الأكبر للانتماء، فإن الدولة الوطنية لا تستطيع أن تستمر في الوجود إلا إذا رعت الحقوق الإنسانية لمواطنيها.

4) وأخيراً.. فإذا فُهمت المواطنة على إنها طاقة انتماء، تجعل الفرد مشاركاً نشطاً في حياة مجتمعه، فإن طاقة الانتماء هذه لا تؤتي ثمارها المرجوة، إلا إذا رافقتها حقوق مدنية للمواطنين؛ فالشخص الذي تسلب حقوقه، يتحول إلى شخص فاقد للانتماء، غير قادر على أن يشحذ همته من أجل الوطن. وبهذه الطريقة من الفهم نجد أن كلّاً من المفهومين يؤدي إلى الآخر، فلا مواطنة بغير حقوق، ولا حقوق بغير مواطنة.

5) ونستطيع أن نتتبع العلاقة بين هذين المفهومين، عبر مستوى آخر، هو المستوى التاريخي، فالمفهومان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالفكر الليبرالي، الذي نادت به ثورات القرن الثامن عشر (الثورة الفرنسية عام 1789م، والثورة الأمريكية عام 1765م) إذ نادت بالمساواة بين البشر، وأعلنت أن البشر قد خلقوا وولدوا متساوين، ولهم الحقوق نفسها. ودعت هذه الثورات، إلى حرية المواطنين، وإلى أنهم يتمتعون بحقوق متساوية، في دولة وطنية. وعلى هذه الأسس جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1948م، وأكد على مبادئ العدالة والمساواة. وهكذا استطاع الفكر الليبرالي الحر أن يبلور علاقة متينة، بين المواطنة وحقوق الإنسان.

6) ثم إن التوسع في مفهوم حقوق الإنسان، والنظر إليه على أنه حق عام، اقتضى أن يشمل الأفراد في كل أنحاء العالم. وقد أدى هذا الفكر إلى التوسع في مفهوم المواطنة أيضاً، بحيث بدأ الحديث الآن عن المواطنة العالمية، التي تشير في أحد معانيها إلى التمتع بالمواطنة، ومن ثم الحقوق، في أي مكان في العالم.

وهذا أحد الأسس التي تحمي حقوق المهاجرين واللاجئين، الذين يشكلون أقليات في بعض البلدان. حيث بدأت تظهر العديد من الدعوات، التي تناقش هذه القضية الشائكة، وتعالج إشكاليات العلاقة بين المواطنة وبين حقوق الإنسان.

  1. الوطنية و تعزيز حقوق الإنسان:

يكمن دور الروابط الوطنية في تعزيز حقوق الإنسان، في أن الرابطة الوطنية تعني تمكين الدولة، والمؤسسات الوطنية التابعة لها، من تنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، والمساعدة في بناء ثقافة حقوق الإنسان، داخل الوطن باديَ الرأي على الأقل؛ وذلك لتحقيق السلام والأمن المستدامين؛ وتمكين المواطنين من تأكيد حقوقهم الإنسانية الفردية في نطاق الوطن، دون أن تنظر إلى أهداف عالمية. ولكن تطور الأحداث في العالم، لحسن الحظ، اتجه بها نحو العالمية.

ويتضمن تعزيز حقوق الإنسان الدعوة إلى اعتماد الالتزام بمدونات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية. ويعد دمج حقوق الإنسان في القانون الوطني المحلي هدفًا مشروعًا، للجمعيات الخيرية، التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان.

وتعزيز حقوق الإنسان هو هدف إنساني، يجب أن يستفيد منه الأشخاص المتضررون، أو المعرضون للضرر، وذلك من خلال حماية الأفراد والمجموعات، المعرضين لخطر انتهاك حقوق الإنسان أكثر من غيرهم.

وأهم ما يجب القيام به في هذا المجال هو: أولا: عدم التمييز، وثانياً: الإدماج المجتمعي للفئات المعرضة للخطر، لضمان المساواة في وصولهم إلى حقوقهم، في المناطق الجغرافية المحددة، أي في الوطن المشترك.

  1. الدساتير والمواثيق:

ولعل السؤال الأكثر بروزاً هنا هو: إلى أي مدى تتوافق دساتير الدول الوطنية، مع المواثيق الدولية المنظمة لحقوق الإنسان؟. حيث نصت دساتير بعض الدول الوطنية على مبادئ، لحماية حقوق الإنسان وخصوصيته، وعلى مبادئ منظمة لهذه الحقوق، مثل الحرية والعدل والمساواة. انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وهذه قضية مهمة في مسألة المواطنة وحقوق الإنسان ، فحقوق المواطنين يجب أن يتم تنظيمها وتأكيدها من خلال الدساتير والقوانين والمواثيق والمعاهدات؛ حيث يجب أن تتوافق تلك الدساتير مع المتطلبات التي تفرضها المواطنة العالمية، وتتكشف من خلال التوافق، بين القوانين والنصوص الدستورية الوطنية المحلية، وبين المواثيق والمعاهدات الإنسانية الدولية.

وتكتمل هذه الرؤية من خلال ما يتم داخل المجتمع، من إجراءات وتوافقات، لحماية حقوق الإنسان، أو السعي نحو تأكيد إنسانية الإنسان، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو اللغوي أو الإقليمي.

  1. وثيقة الأخوَّة الإنسانية:

ومن أبرز ما ظهر حديثا في هذا المجال: وثيقة تسمى: (وثيقة الأخوة الإنسانية) وقد صدرت في أبو ظبي، في الرابع من شباط/ فبراير عام 2019 واتفق عليها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، وهي وثيقة تعبر عن الإرادة المدنية للمؤسسات الدينية الكبرى (الإسلام والمسيحية) وتعبر عن رغبة هذه المؤسسات في أن تتجاوز الأطر الدينية المحدودة، وتنطلق إلى آفاق العالمية، لتؤكد إنسانية الإنسان أينما كان. ولا مراء في أن هذه الإرادة هي إحدى الوسائل المهمة، التي يمكن أن تقف حاجزا صلباً في وجه العنف، وسدا منيعاً في مواجهة التطرف.

وهي وثيقة مطولة. أقتطف مما جاء فيها ما يلي:

  • (إن مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق[2]، التي ينعم الجميع في ظلالها بالعدل؛ لذا بجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح الأقليات، الذي يحمل في طياته الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد الطريق لبذور الفتن والشقاق، ويصادر استحقاقات وحقوق بعض المواطنين الدينية والمدنية، ويؤدي الى ممارسة التمييز ضدهم..)
  • (الاعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل، وممارسة حقوقها السياسية، هو ضرورة ملحة. وكذلك وجوب تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية، المنافية لثوابت إنسانيتها وكرامتها. ويجب حمايتها من الاستغلال الجنسي، ومن معاملتها كسلعة او أداة للتمتع والتربح؛ لذا يجب وقف كل الممارسات اللاإنسانية، والعادات المهينة لكرامة المرأة، وتعديل التشريعات التي تحول دون حصول النساء على حقوقهن كاملة.)
  • وأهم ما أشارت إليه الوثيقة هو: (حقوق الاطفال الأساسية، في التنشئة الاسرية والتغذية والتعليم والرعاية) و (حقوق المسنين والضعفاء، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمستضعفين) ووصفتها بأنها (ضرورة دينية واجتماعية، يجب العمل على توفيرها وحمايتها بتشريعات حازمة، وبتطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهذه الحالات.)

وهذه الأمور الإيجابية وطنيا وإنسانياً، تحسب لصالح هذه الوثيقة.

  1. التناول القانوني:

لا شك في أن التناول القانوني لقضية المواطنة، وتعزيزها لحقوق الإنسان، يثير إشكالية مهمة، تتمثل في التوازن القانوني بين (الحقوق والواجبات) وبعبارة أخرى بين الاستحقاقات والمسؤوليات.

فقد تناول الدارسون الأبعاد القانونية للمواطنة، موضحين طبيعة العلاقة بين المواطنة وبين الحقوق، على اعتبار أن المواطنة بالأساس هي حق من الحقوق أيضاً. كما تناولت بعض الدراسات، التي تدور حول الوطنية والمواطنة، العلاقة بين ممارسة الحق وبين تحمل المسئولية. وهذه العلاقة هي الركن الأساسي في قضية حقوق الإنسان، سواء في الوطن الضيق أو في العالم الواسع؛ فالحق لا يستقيم إلا في ضوء الواجب، فإذا ضاع الحق فإن القانون يرده إلى أصحابه، وإذا اختل الواجب فإن القانون يلزم المكلفين به والمسؤولين عنه بالقيام بواجباتهم، تحت طائلة المسؤولية.

وهذه القضية تثير قضية أخرى، تتعلق بمدى الانضباط في أداء الواجب مقابل الحصول على الحقوق. فإن هذا الانضباط يجب ألا يرد إلى الانضباط القانوني فحسب، وإنما يجب أن ينبع من داخل الأفراد، ومن ضمائرهم الذاتية. فالوازع الداخلي أقوى وأكثر ديمومة من الوازع الخارجي؛ لذا يجب أن يكون هو المحرك الرئيسي في أداء الواجب.

  1. دور التربية والتعليم:

وتأتي قضية التربية والتعليم على رأس القضايا المرتبطة بالمواطنة، وبالحقوق المدنية، فمن خلال عمليات التربية والتعليم، يتم غرس ثقافة المواطنة، التي تؤدي بدورها إلى ازدهار ثقافة حقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار، يجب ألا يتجه التعليم نحو التكوين المعرفي والمهاري فحسب، وإنما يجب أن يتجه نحو بناء الإنسان، وعلى تكوينه عقلياً ونفسياً ووجدانياً، ومن ثم فإن التعليم بدأ يتجه في كثير من البلدان – جنباً إلى جنب مع الأسرة ومؤسسات الاتصال الجماهيري- نحو تكوين منظومة القيم الاجتماعية، وعلى رأسها قيم المواطنة، التي تتمحور حول قيمة إيمان المواطن بمبدأ الاختلاف، الذي – إذا ما توافر- فإنه يؤدي إلى تكوين قيم الاحترام والتسامح والثقة والتعاطف. وبالتالي تكون المواطنة الحقيقية هي التي تعزز حقوق الإنسان.

والحق أن دعم هذا النوع من التعليم، العقلي والنفسي والوجداني، كفيل بأن يخلق ثقافة محملة بالروح المدنية، تلك الروح التي يتأسس عليها الاجتماع البشري أصلاً.[3]

 ويشهد مفهوم حقوق الإنسان يوماً بعد يوم اتساعاً، يساعد على ذلك تنامي الخطاب، الإقليمي والعالمي ، حول المواطنة وحقوق الإنسان. وقد أدى ذلك إلى أن يتجاوز مفهوم حقوق الإنسان الحقوق المادية الملموسة فحسب، كحق القرابة والجوار والعمل، إلى الحقوق المعنوية المحسوسة، كالحق في الكرامة والمشاركة والعيش الآمن.

  1. الحقوق المعنوية:

مر بنا آنفا أن الحقوق نوعان مادية ومعنوية. وقد أشار بعض الباحثين في هذا الشأن، إلى الحقوق المعنوية، ومنها:

1) الحق في احترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية. وهو حق أصيل يرتبط باستقلال الإنسان، وحريته في اختيار أسلوب حياته، التي يجب ألا يتدخل فيها الآخرون، بأي شكل من الأشكال.

وتنص معظم الدساتير الوطنية، ووثائق الحقوق المدنية، على هذا الحق. ولاشك في أن التنبه إلى هذا، في مجتمع كمجتمعنا، يعدُّ أمراً بالغ الأهمية، حيث تسمح الثقافة، السائدة بين الناس، بالتدخل في الخصوصيات، في غياب الحماية لها؛ مما يحرم الإنسان من هذا الحق الأصيل. ومثل هذه الثقافة تجب محاربتها؛ لكي تحل محلها ثقافة احترام الخصوصية، وعدم انتهاكها بأي شكل من الأشكال، من خلال التربية النفسية، وخلق الدافع الداخلي والحافز الوجداني، حتى في غياب القانون وقوة الحماية.

2) الحق في مواجهة العنف والفكر المتطرف. والحقيقة أن هذه الإشارة تستحق التأمل والمساندة؛ لأن المجتمعات الحديثة لا تعاني فقط من فقدان الخصوصية، وإنما تعاني أيضاً من انتهاك أمنها واستقرارها عبر التطرف، وما يترتب عليه من عنف وإرهاب. فالحق في مكافحة التطرف هو في الوقت نفسه حق في مواجهة الإرهاب. وهما من حقوق المواطن في مواجهة التطرف والإرهاب. ولاشك في أن الوعي بهذا الحق، وانتشاره عبر الضمير الجمعي للأمة، يحشد المجتمع ضد التطرف والإرهاب، ومن ثم يحميه من مظاهر عدم الاستقرار وعدم الأمن.

  1. وأخـيــراً :

لابد من الإشارة إلى أن الجهود الوطنية المحلية، التي تبذل لحماية حقوق المواطنة، أدت إلى تشكيل المجالس الوطنية والقومية، وحتى الدولية، لحقوق الإنسان، كنموذج لحماية حقوق المواطن، على اعتبار أنه إنسان مواطن أو مواطن إنسان.

والاهتمام بمثل هذه التنظيمات المحلية، التي تحمي الحقوق المدنية، فيه إشارة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بوجود نصوص دستورية وطنية وقانونية محلية، ولا بوجود وثائق دولية وإعلانات عالمية، ولكنه يتعلق أولاً وأخيراً بالممارسات العملية، التي من دونها لا تكون هناك حقوق، ولا تكون هناك مواطنة. وهذا لا يتأتى إلا من خلال التربية.

وفي الختام: لا بد من تيسير نشر مثل هذه الأمور، التي تهتم بهذه الأفكار، لإثراء الأفكار، التي ترقى بالخطاب الثقافي والأكاديمي والسياسي، حول المواطنة، والحقوق المدنية، وحقوق الإنسان؛ لتنتشر مثل هذه المصطلحات الجيوسياسية، وتصبح من بدهيات الثقافة اليومية، لدى شتى المستويات الثقافية، بين أبناء الوطن الواحد.

وعندها تتجذر الروابط الوطنية، ويكون لها الدور الفعال في تعزيز حقوق الإنسان، وطنيا وعالمياً.

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

تدريب عملي في صيانة الشواحن الإلكترونية ضمن برنامج الطاقة البديلة النظيفة في معهد مارس

ضمن تدريب الطاقة البديلة النظيفة في معهد مارس للعلوم الصناعية والتقنية، يعمل الطلاب على استكمال تعليم صيانة الأعطال الخاصة بالشواحن الالكترونية بشكل عملي، بعدما تم دراسة المخططات الخاصة بهذه الشواحن بشكل نظري ليكونوا قادرين على تحليل الأعطال وصيانتها.