مقالة رأي
الكاتب : علياء عتم

تحديات المواطنة في الحالة السورية

 

 

لا شك أن مفهوم المواطنة يقوم على وضع قانوني وسياسي، يتمتع به الأفراد الذين ينتمون لدولة معينة، كما تعبر عن انتماء الأفراد لمجتمع ما، بما يتضمنه هذا الانتماء من حقوق للأفراد وواجبات ومسؤوليات، كما يقوم على المساواة بين جميع المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون وأمام الجهات المسؤولة عن إنفاذه، الأمر الذي يستلزم حيادية الدولة تجاه جميع مواطنيها بصرف النظر عن انتماءاتهم الدنية والإثنية، واستئصال ومنع كافة أوجه التمييز سواء أكان في التشريع أوفي التطبيق.

  • تحديات المواطنة في سوريا كيف كانت في السابق؟ وكيف بدت بعد قيام الثورة السورية؟

– تتحدد المواطنة في المقام الأول بعلاقة الدولة بالمواطن، حيث إن المواطنة تتطلب في أساسها شعوراً لدى الفرد بالمساواة مع غيره من أفراد المجتمع، ونتيجة لذلك الشعور، يتولد الالتزام المتبادل بين المواطن والدولة، وعلى قدر ما تتعامل الدولة مع الفرد كمواطن متساو مع أفراد مجتمعه، وتصون بقوانينها ومؤسساتها حريته وكرامته وملكيته، على قدر ما يتشكل لدى الفرد وعيه بمواطنيته، وشعوره بهويته الوطنية.

ومن خلال السياسات العامة للدولة التي تدعم بناء هذا الوعي، ومن ثم الهوية الوطنية التي يفرزها الوعي المتشكل لدى الفرد، تنشأ علاقة المواطنة الصحية التي يطمئن بها الفرد لحقوقه لدى الدولة، ويتفهم واجباته تجاهها، وهذا الأمر لم يكن موجوداً في المجتمع السوري لا في السابق ولا حتى في الوقت الحالي لأسباب عديدة سوف يتم تسليط الضوء عليها.

– يعاني المجتمع السوري على صعيد آخر من ضعف معززات الوعي الديمقراطي المرتبط بمعدلات مستوى المعيشة وجودة التعليم والصحة والثقافة السياسية التي تعتمد عليها نظريات التحديث الغربية كأساس لنشوء الديمقراطية، هذه المدخلات وغيرها  تحدد سبب ضعف شعور الفرد السوري بهويته الوطنية التي تؤمن له الشعور بالانتماء أو بضرورة الانتماء إلى الجماعة السورية، فالمشكلة لا تكمن في التنوع الهوياتي له، فكل إنسان في أي مكان في العالم يمكن اعتباره مركباً هوياتياً (العرق، القومية، الدين، الطائفة، العقيدة، الطبقة، …) ، وأن انتماءه هذا يصون حريته وكرامته وملكيته.

ومما لا شك فيه أن كل بلد ديمقراطي يعاني من عقبات وتحديات بمختلف أشكالها، لكن ما يسهل من تخطيها، هو كيفية إدارة الحكومات لها، وترجمتها من خلال آليات تطبيقها على أرض الواقع.

وفي المجتمعات العربية عامة، والمجتمع السوري خاصة، ثمة عقبات كثيرة خلّفَها حكم البعث منذ استلامه السلطة، والتي يمكن تشبيهها بالسدود العالية المتينة، التي رسخها نظام البعث في سبيل إحكام قبضته على الحكم.

ولعل من أبرز تلك العقبات:

  • التمييز العنصري بين فئات ومكونات الشعب السوري والتي ترتكز على أساس (العرق – الدين – الطائفة – الجنس – الآراء والمواقف السياسية) وغيره، فوفق ما أشار استطلاع للرأي أجرته منظمة اليوم التالي في سبتمبر/ 2021 بعنوان ” انطباعات السوريين والسوريات حول المواطنة والهوية” فقد “عبرّ ما يقارب 84% من السوريات والسوريين عن تعرضهم/ن لتمييز أو اضطهاد مبنيّ على انتمائهم/ن الهوياتيّ, تحديداً بما يتعلق بالتمييز على أساس الدين والطائفة ، بنسبة وصلت الى 20% ، يتبعه التمييز على أساس الموقف أو التوجه السياسيّ بنسبة 18% ،والتمييز بناء على مكان الولادة أو المسكن الأصليّ بنسبة 14% ، ثم التمييز بناء على الانتماء القومي بنسبة 13% “{1} .

 ونرى من خلال ذلك أن درجة التمييز عالية جداً، وهذا يعتبر من أخطر وأهم العقبات الناتجة عن حكم البعث والمستمرة حتى وقتنا هذا.

ولو تطرقنا الى المكونات السورية التي كانت ولا زالت تعاني من بطش حكم الأسد، من حرمانهم من  حقوقهم المدنية، فقط لأنهم جماعات متنوعة الطوائف والأديان والأعراق، لرأينا أن ظلم وتهميش هذه الفئة لا يقارن بأي ظلم عرفه المجتمع العربي من قبل، حيث أكد استطلاع المذكور أيضاً أن ” السوريون الكرد كانوا الأكثر تعرضاً للاضطهاد أو التمييز المبني على الهوية مقارنة ببقية القوميات المستبيَنة، تحديداً في مؤسسات الدولة الرسمية والقطاع التعليمي ، كالمدارس والمعاهد والجامعات . كما بينت النتائج الموزعة على الخلفيات الدينية والمذهبية للعينة، ارتفاعاً في نسب الأقليات الدينية والطائفية، التي عبرت عن تعرضها لتمييز بناءً على انتمائها الديني مقارنة بالمستبينين من الطائفة السنية, حيث بلغت هذه النسب 30% عند الدروز و26% عند العلويين و 25% عند المسيحيين مقارنة ب 18% عند السنة ” {2}

  • الهجرة الداخلية والخارجية للسوريين والوضع الاقتصادي المتردي في الداخل:
  • كانت المواطنة مغيبة تماماً في زمن حكم البعث الاستبدادي، وذلك نتيجة استخدامه لأساليب ممنهجة، عملت على تفريق السوريين من حيث الاختلاف الدينيّ أو المناطقّي أو العرقيّ أو غيره، ولهذا لم تكن حالة المواطنة موجودة أساساً.
  • أما بعد قيام الثورة وانتقال حراكها من الحالة السلمية الى الحالة العنفية من خلال استخدام النظام المجرم أساليبه القمعية في تشريد وتهجير معظم أبناء المجتمع السوري داخلياً وخارجياً، أصبح هم كل مواطن سوري البحث عن ملاذ آمن يأويه بعيداً عن حالة الخوف والزعر، سواء من القصف المستمر أو من حالات الاختفاء القسري، أو الاعتقال التعسفي الذي طال مئات السوريين في مختلف القرى والمدن. وقد أصبحت معاناة السوريين في الداخل لا تخفى على أحد من فقرِ وسوء في الرعاية الصحية وضعف في التعلم وغيره.
  • والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل السوريون النازحون القاطنون في المخيمات لديهم شعور بالانتماء لسوريا ككل أو حتى لبلداتهم وقراهم، مقارنة مع شعور السوريين المهجرين في دول اللجوء؟

 بديهياً لا توجد مقارنة، فكل شريحة لديها آراء مختلفة حول ذلك، حتى السوريون المقيمون في الداخل يتفاوت شعورهم بالانتماء، فالشخص القاطن في الخيام لا يعنيه الانتماء، بقدر ما يعنيه البحث عن حياة كريمة وعن لقمة عيش لأسرته، بينما الشخص القاطن في منزل ووضعه المعيشي جيد لديه شعور أعلى بالانتماء ربما.

  • كما أن التهجير القسري والخروج الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أفقد السوريين الكثير من حقوقهم المدنية، فغياب المظلة القانونية في شمال غرب سوريا أدى الى ضياع حقوق الأفراد بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم.
  • ولا ننسى أيضا أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المناطق المحررة من اقتتال داخلي بين الفصائل، الى عدم وجود سلطة رادعة لأعمال الشغب والعنف، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تحقيق أدنى مقومات المواطنة.

  • العادات والتقاليد في المجتمع السوري سابقاً واستمرارها حتى يومنا هذا (عدم المساواة في الحقوق)
  • لا تزال العديد من القرى والمدن تكرس عدداً من العادات والأعراف البالية، فالأدوار النمطية لكلٍّ من الرجل والمرأة تحرم النساءَ من حقهن في تقرير مصيرهن، فالنساء لا يتحكّمن في حيواتهن، ولذلك يُحرمن من الدرجة الأولى من المسؤولية.

وهذا ما نجده في تشريعات دول ما زالت تستند في نصوص قوانينها على مبدأ الولاية الأبوية الذكورية، أو تتسامح مع القتل تحت مسمى “جرائم الشرف” .

  • الحوكمة الغائبة أو المنسية في مؤسسات المجتمع المدني:

هناك ارتباط وثيق بين المواطنة والحوكمة من الناحية العملية الواقعية؛ إذ كيف لنا أن نتخيل سوريا الجديدة التي تسودها سيادة القانون والديمقراطية، دون وجود مؤسسات وتجمعات تعمل بشتى المجالات، وهي لا تطبق مبدأ الحوكمة الرشيدة. إن غياب تطبيق الحوكمة في المؤسسات المحلية والتجمعات والاتحادات القائمة،  يفقدها مساحة كبيرة من دورها الجوهري في المجتمع، بدءاً من غياب المساءلة والشفافية، وصولاً إلى انعدام المشاركة الفعّالة للأفراد وتهربهم من المسؤولية المترتبة على عاتقهم.  لذلك لا بد أن يكون هناك خطط فعّالة حقيقية تطبّق فيها مبادئ الحوكمة وتعمل على نشر هذه الثقافة.

لقد كان الفساد الإداري في مؤسسات الدولة واضحاً وضوح الشمس، من غياب الرقابة والمساءلة، إلى غياب فهم الأدوار وتداخلها.  لذلك، لا بد من محاربة هذه الظواهر والعمل على منع وجودها في مؤسساتنا المستقبلية.

ختاماً نقول إن المواطنة الفاعلة، لا تتحقق إلا في دولة ديمقراطية ترعى حقوق وحريات أفراد المجتمع السوري، بحيادية ومساواة تامة أياً كانت انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية، فالمواطنة هي البوصلة التي سترشدنا في رحلة الوصول إلى ” سوريا العظيمة الخالية من بشار الأسد كما قالت الراحلة ميّ سكاف.

  • المراجع:

{1} منظمة اليوم التالي – تاريخ النشر: تشرين الثاني 2021 – استطلاع رأي بعنوان” انطباعات السوريين والسوريات حول المواطنة والهوية” – رقم الصفحة 2

{2} رابط البحث : final (AR) المواطنة RGB (tda-sy.org)

{3} اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34 / 180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.