نحن هنا أيضاً: عن النساء والفئات المغيبة وسط صخب السياسة السورية
جيسيكا حموي
المركز الثالث
نحن هنا أيضاً: عن النساء والفئات المغيبة وسط صخب السياسة السورية
نحن هنا منذ الأزل، ولكن صوتنا لم يسمع بعد!
إن جوهر الديمقراطية هو حرية الأفراد ومشاركتهم الكاملة في صنع القرار وليس مجرد انتخابات أو شعارات، ولا ننسى أن قوانين حقوق الإنسان تشدد على أن لكل فرد الحق في المشاركة السياسية والاجتماعية دون تمييز، وحرية التعبير، والعدالة. ولكن للأسف وسط صخب السياسة السورية، وعلو الضجيج وتنازع الأصوات فيما بينها وبناء النقاش السياسي على من يصرخ أكثر، هنالك الكثير من الأصوات تغفل وفئات كاملة تغيب عن المشهد: النساء، الأشخاص ذوي الإعاقة، الفقراء.
تاريخ التهميش للنساء في سوريا:
مع أن سوريا كانت من أوائل البلدان العربية التي أعطت حق الانتخاب للنساء ولكن مازالت النساء تواجهن قيوداً اجتماعية وثقافية، وسيادة الثقافة الذكورية التي تمنعها من الوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة الفعلية، لذلك ظل التمثيل السياسي للنساء محدوداً ذو طابع رمزي وشكلي حتى الفترة الحديثة. على سبيل المثال: إن نسبة مشاركة المرأة في مجلس الشعب السوري لم تتجاوز 12.8% على مدار السنوات وإن هذه النسبة انخفضت في عام 2024 إلى 9.6%، على خلاف دولة الإمارات العربية المتحدة التي وصلت فيها نسبة التمثيل النسائي في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50% بفضل الكوتا، بينما في سوريا لا توجد كوتا نسائية برلمانية على الرغم من كونها أداة فعالة لدعم النساء. ويرجع ضعف المشاركة السياسية للمرأة أولاً، إلى النظرة النمطية للمرأة حيث يتم ربط دور المرأة فقط بالأعمال المنزلية والرعائية. ثانياً، بعض النخب تبرر أن عالم السياسة غير مناسب لطبيعة شخصية النساء وهذا يدل على تمييز واضح ضدهن واخضاعهن للترتيب الجندري الأبوي. في هذه النقطة بالذات، نجد هنا مثال يخالف هذا التبرير ألا وهو وصول النساء إلى أعلى المناصب في دولة نيوزيلندا كاستلام جاسيندا أرديرن منصب رئيسة الوزراء بين عامي 2017و2023 وهو أكبر برهان على قدرة النساء لاستلام مناصب سيادية. وبناءً على ما سبق من ضعف التمثيل وتهميش المرأة، أصبح من الضروري تعزيز دور المرأة وتمكينها سياسياً واجتماعياً، ويجب أن يتجسد هذا التمكين عن طرق إشراك النساء في لجان صياغة القوانين وآليات العدالة الانتقالية واللجان المحلية والسلم الأهلي وتخصيص كوتا برلمانية نسائية لهن لا تقل عن نسبة 35% ومعرفة احتياجاتهن والتحديات التي يواجهنها وتمكينهن من كافة الجوانب.
دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في صنع القرار:
إن هذه الفئة بالذات عانت من التهميش والإغفال لسنوات عديدة، حيث كان ينظر لهم على أنهم أشخاص متلقين للرعاية وليس على أنهم مواطنين يتمتعون بحقوق كاملة. ولكن لا يمكن فصل قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة عن منظومة حقوق الإنسان، فالأمم المتحدة أصدرت اتفاقية تتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2006 تؤكد فيها أنهم ليسوا خارج دائرة الحقوق، بل في صلبها، فحقوقهم جزء أساسي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالحق في التعليم أو العمل أو السكن ويجب أن تضمن حقوقهم دون تمييز أو إقصاء وتشترط الاتفاقية سهولة التنقل وإمكانية الوصول إلى المعلومات والخدمات والإجراءات لضمان تمتعهم بحقوقهم الكاملة. وعلى الرغم من توقيع ومصادقة سوريا على هذه الاتفاقية في عام 2007، إلا أن الممارسة على الأرض تختلف عن نصوص الاتفاقية، مما يبقي هذه الفئة خارج دائرة التمثيل السياسي والاجتماعي. بحسب تقارير صادرة عن منظمات الأمم المتحدة فإن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا ما يقارب 28%، أي ما يقرب من ضعف المعدل العالمي، بسبب إصابات الحرب ونقص الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات الأساسية. الفكرة هنا أن التمثيل السياسي هو عمل فكري أكثر من كونه عمل جسدي، حيث أن الإعاقة الجسدية لا تقف في طريق اتخاذ قرارات سليمة فالعمل السياسي هو إرادة وكفاءة. وأقوى مثال على ذلك؛ جيم لانغيفين أول نائب أميركي يستخدم كرسياً متحركاً داخل الكونغرس، وكرس مسيرته للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ففي ظل غياب هؤلاء الأشخاص داخل الحياة السياسية والاجتماعية السورية، أصبح من الضروري التفكير بحلول ملموسة تحدث توازناً وتسعى لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وأحد أبرز الحلول هو إقرار أيضاً كوتا سياسية للأشخاص ذوي الإعاقة بنسبة لا تقل عن 8% لتمكنهم من الوصول القانوني للترشح عبر تبسيط الإجراءات الإدارية، وضمان تمثيلهم ضمن هيئات انتقالية في مراحل إعادة بناء الدولة، وإدراج قضاياهم في المناهج التعليمية، ودعم الإعلاميين والإعلاميات والناشطين والناشطات من ذوي الإعاقة ومنحهم مساحة لإظهار رؤيتهم في السياسات العامة، بالإضافة إلى تهيئة المراكز والمؤسسات والطرقات العامة لتكون مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومن هنا نؤكد أن الدمج السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس أمراً رمزيًا، بل ضرورة ديمقراطية تدل على العدالة والمساواة. وحتى إن استطاعت الكثير من الدول نقل هؤلاء الأشخاص من الهامش في المجتمع إلى مركز القرار، فإن سوريا تحتاج لخطوة أولى بهذا الاتجاه لكسر الصمت، وتفتح الطريق نحو دولة حديثة تراعي حقوق الجميع دون استثناء.
حين يكون الفقر حاجزاً ايضاً:
تعتبر قساوة الظروف الاقتصادية في سوريا العائق الأكبر أمام انخراط الفقراء في الحياة السياسية. فإن معظم السكان بما يقارب 90% تحت خط الفقر، وتكشف التقديرات أن قرابة 5.7 ملايين سوري يعيشون في فقر مدقع، وحوالي 16.7 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية ويعود ازدياد نسبة الفقر في سوريا إلى حدوث النزاع المسلح في الداخل، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل التعليم والكهرباء والصرف الصحي، وهذا ما زاد من معاناتهم فاتجهوا لتخصيص وقتهم وجهدهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية كتأمين الغذاء والدواء والمأوى لأن نصفهم دمر منزله بسبب النزاع. واعتبارهم أن البقاء على قيد الحياة هو الأولوية بالنسبة لهم، ما يحد من انخراطهم بشكل كبير في عالم القضايا السياسية والاجتماعية، ويقيد فرصهم في تطوير مهاراتهم أو التعبير عن رؤيتهم لأن الفقر ليس مجرد مشكلة اقتصادية بل عامل يحد من الفعل السياسي، والهيمنة الكاملة للنخب على المؤسسات السياسية، مما يؤدي إلى تهميش الفئات الأقل حظاً وعدم حصولهم على أي دور. إن إشراك الفقراء في الشأن العام لا يعد حقاً فقط بل خطوة فاعلة وفعالة نحو تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتنشئة مسار تنموي عادل. من جملة الحلول التي يجب اتباعها لدمج الفقراء أكثر، تأمين فرص عمل مستدامة وحماية اجتماعية لهم، إنشاء برامج توعية وتعليم لزيادة الوعي السياسي لديهم وتوفير الدعم اللازم لهم، ربط التنمية الاقتصادية بالتمكين السياسي من خلال دعم المشاريع الصغيرة، دعم منظمات المجتمع المدني وتعزيز الحوكمة الرشيدة لخلق بيئة تمكينية للجميع. إن الوصول إلى العدالة السياسية لا يحدث إلا بتمكين الفقراء، فصوتهم ليس ترفاً بل حاجة ضرورية لبناء دولة تعتمد على الشمولية وتكافؤ الفرص للجميع.
في النهاية، لن تبنى سوريا إلا إذا ضمنت مشاركة شاملة لكل فئاتها، خصوصاً النساء، الأشخاص ذوي الإعاقة، والفقراء.
إنها مسؤوليتنا جميعاً، فلنعمل معاً على رفع صوتهم، لأن العدل وتكافؤ الفرص والشمولية هو أساس السلام والتنمية، ولن يكون هناك سلام أو تقدم دون مجتمع يتنفس الحرية ويحترم التنوع ويعزز ثقافة الحوار. وهنا يكمن دورنا أن نبني وطناً يشمل الجميع دون تمييز، دون استثناء.
المراجع:
- United Nations Development Programme. (2021). Disability inclusion Programme in Syria. https://www.undp.org/syria/publications/undp-syria-disability-inclusion-programme
- Dubai Women Establishment. (2019). 50% female representation in the Federal National Council. https://dwe.gov.ae/dwe-initiatives/50-female-representation-federal-national-council
- United Nations Development Programme. (2025). The socioeconomic impact of the conflict in Syria. https://www.undp.org/ar/arab-states/press-releases/tsry-wtyrt-altafy-alaqtsady-amrun-hasm-alahmyt-lks-tdhwr-alawda-fy-swrya-wastadt-alastqrar
- United Nations. (2024). Syria humanitarian situation report. https://syria.un.org/en/download/180806/291750
- World Bank. (2025). Syrian Arab Republic – Gender Data Portal. https://liveprod.worldbank.org/en/economies/syrian-arab-republic