دور السلم الأهلي في بناء سوريا الجديدة
مصطفى منلا عمر
المركز السادس
المقدمة
في عام 2011 خرج السوريين مظاهرات في مختلف المحافظات السورية مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية حيث خرجوا بطريقة سلمية لكن سرعان ما حول النظام هذه المظاهرات الى حرب مسلحة بسبب قيامه بالتعامل مع المظاهرات بالعنف والقتل والاعتقال وعلى مدار سنوات حكم ال الأسد الأب والابن عملا على تفرقة الشعب السوري الغني بتنوعه ومكوناته المختلفة ونشر حالة المناطقية والطائفية وغياب العدالة الاجتماعية في التوظيف او توزيع موارد الدولة، وبعد أكثر من عقد من قيام الثورة استطاع الثور الاطاحة بالنظام السوري الذي أمعن الجرائم بالشعب السوري تاركة لهم تركة كبيرة من الفساد والدمار ليس دمار البنية التحتية فقط بل دمر الشعب السوري بكافة مكوناته حيث حل الفقر والبطالة وغياب القانون وغياب العدالة واليوم من أخطر العقبات التي تواجه السوريين هو الانقسام المجتمعي وعدم التعايش السلمي سواء بين العائدين إلى مدنهم وشعب المدينة نفسه أو بين سكان المناطق المحررة قديما والتي تحررت حديثا حيث يعتبر هذا التحدي أكثر التحديات خطورة لما له من أثر خطيرة مثل ما حدث في الثورة من مجازر واعتقال ودمار وقتل.
السلم الأهلي
السلم الأهلي ليس ترف اجتماعي او حالة رفاهية بل هو حاجة ملحة لتحقيق الاستقرار المستدام والسلام في سوريا بعد ١٤ عاما من الحرب ويعرف السلم الأهلي بأنه حالة اجتماعية متكاملة قائمة على نبذ العنف وقبول التنوع داخل المجتمع الواحد وتعزيز مبدأ المواطنة. والسلم الأهلي ينشر حالة من التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع مع المحافظة على العدالة والمساواة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان بما يسمح بحرية عيش الأفراد بأمان وقيام مؤسسات الدولة بمهامها وهي خدمة المجتمع ورتق النسيج السوري الذي مزفته الحرب والديكتاتورية
كيف يمكن تعزيز السلم الأهلي
إذا أردنا ان نبني سوريا الجديدة فعلينا ان نبدأ اولا بتطبيق السلم الأهلي لانه يبنى الدولة والمجتمع على حد سواء من خلال إعادة بناء البنية التحتية وتعزيز العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات الحكومية وتوجيهها إلى خدمة المجتمع ومعالجة الأسباب التي أدت لاندلاع الحرب واتاحة مساحة لحربة الرأي ومسؤولية تطبيق السلم الأهلي لا تقتصر على الحكومة فقط بل يمتد ليشمل المجتمع والأفراد والنشاطين المجتمعية
دور الفرد في تطبيق السلم الأهلي
إن التغيير يبدأ من الإنسان نفسه ثم تنتقل أثار هذا التغيير إلى الآخرين والمواطن السوري يلعب دورا كبيرا في تطبيق السلم الأهلي من خلال نشر قيم التسامح والتعايش السلمي واحترام حقوق الآخرين وعدم التعدي على الغير وعدم التمييز واللجوء للقانون عند حدوث مشاكل وإذا كان الفرد يشغل دور موظف حكومي أو تاجر أو مثقف فيكون أكثر قدرة على نشر وتطبيق السلم الأهلي فمحور السلم الأهلي هو الأخلاق واحترام حقوق الإنسان.
دور المجتمع في تطبيق السلم الأهلي
يقع على عاتق المجتمع مسؤولية كبيرة في تعزيز روابط التضامن والتعايش بين مكوناته المختلف ويُترجم ذلك من خلال ودعم الحكومة في تطبيق السلم الأهلي ودعم مؤسساتها والاهتمام بضحايا الحرب والعمل على إزالة آثارها كما يجب على الوجهاء ورجال الدين والمعلمين والمثقفين أن يكونوا قدوة في نشر ثقافة السلم الأهلي وأن يدعوا للحوار بدل القطيعة وللأمل بدل الإحباط، فالمجتمع المتماسك قادر على تجاوز الأزمات والتصدي لأي محاولات لزرع الفتنة أو استغلال الانقسامات.
دور الحكومة في تطبيق السلم الأهلي
تلعب الحكومة دورا محوريا ي حماية السلم الأهلي من خلال إرساء دولة القانون وسيادته وتطبيقه على كل فئات المجتمع وأصحاب السلطة وايضا يكمن دور الحكومة في توجيه المؤسسات في خدمة المجتمع وتقديم كل التسهيلات للمواطنين دون تميز عرقي او ديني او مناطقي وضمان حقوق جميع المواطنين بالتساوي كما يجب على الحكومة أن تطبق العدالة الانتقالية وتحاسب مرتكبي الجرائم الذين امعنوا في قتل المدنيين ومن مسؤوليات الحكومة معالجة آثار الحرب وتأمين الخدمات الأساسية بشكل عادل ويُطلب من الدولة أيضا إقامة نشاطات اقتصادية واجتماعية في مختلف الجغرافيا السورية لتعزيز الترابط المجتمعي واطلاق حوارات وطنية شاملة وترك مساحة لتعبير عن الراي وهدم الفجوة بين الحكومة والمجتمع ووضع سياسات تنموية متوازنة تعالج الفقر والبطالة لان الفقر هو اساس وسبب كل الجرائم على وجه الأرض ومن المهم أن تتعامل الحكومة مع الإعلام والقوى المدنية باعتبارهم شركاء في صناعة السلام لا خصوما سياسيين.
دور الإعلاميين والناشطين في تطبيق السلم الأهلي
يؤدي الناشطون والإعلاميون دورا بالغ الأهمية في صناعة الوعي المجتمعي وتوجيه الرأي العام نحو ثقافة السلم الأهلي إذ تقع على عاتقهم مسؤولية نشر الحقائق دون كذب وتضليل وتصحيح أي خطأ يصدر من الأفراد أو المجتمع وأن يكونوا صلة الوصل بين الحكومة والمجتمع وأن يعملوا على محاربة الشائعات وخطاب الكراهية وتسليط الضوء على المبادرات المجتمعية الإيجابية.
الخاتمة
السلم الأهلي ليس غاية بل هو وسيلة للعيش بأمان وعدم تكرار ماسات الماضي وما حدث من جرائم وانتهاكات كان سببها الطائفية والخاسر الأكبر فيها هو المجتمع السوري الذي عانى كل أنواع المعاناة، وهناك دول طبقت السلم الأهلي وحققت فائدة كبيرة ومن هذه الدول راوندا وجنوب أفريقيا حيث أصبحتا من الدول المتقدمة بعد أن عانتا من ويلات الحروب والاقتتال الطائفي والتمييز. والسلم الأهلي ينطلق ليبني دولة يسودها الاحترام قائمة على المسؤولية وحماية و ازدهار مواطنيها، إننا في سوريا الحبيبة متنوعين عرقيا ودينيا وقوميا وهذا التنوع الغني اذا استخدمها في الطريق الصحيح سينتهي بنا المطاف بدولة ترعى حقوقنا ومجتمع متماسك واقتصاد قوي وابتكارات وريادة تضع سوريا في مصاف الدول المتقدمة واذا استخدمنا هذا التنوع في الطريق الخطأ سينتهي بنا المطاف إلى حروب أهلية واقتتال وعدم استقرار والفقر وحروب ولو نظرنا إلى فترة سقوط النظام لقلنا سبب التقدم السريع وهو السلام وخطابات السلام والتطمينات التي وجهها قادة المعركة إذ إن في السلام يكسب الإنسان أضعافه ما يكسبه في الحرب وعاشت سوريا لكل السوريين.