دماء ديسمبر وآمال الديمقراطية :سوريا في مفترق التاريخ

علي محمد عبد القادر

المركز الثالث

 

دماء ديسمبر وآمال الديمقراطية :سوريا في مفترق التاريخ

 

في مثل هذا اليوم من عام 2024، توقف السوريون عند لحظة فارقة في تاريخهم؛ لحظة امتزج فيها الحزن بالفخر، والدمع بالأمل. مرّت أربعة عشر عامًا على بداية الثورة، سنوات حملت معها الكثير من الألم والدماء والدمار، لكنها في الوقت ذاته حملت بذور التغيير. رغم كل ذلك، لا تزال الأسئلة قائمة: هل ما وصلنا إليه يُعد نصرًا؟ أم أننا نعيش مرحلة انتظار طويلة لتحقيق ديمقراطية حقيقية تحفظ كرامة الإنسان السوري، وتؤسس لحكم عادل يراعي القانون ويضمن التغيير السلمي للسلطة؟

 

لا شك أن الإرث الثقيل الذي خلّفه النظام السابق لا يزال يرخي بظلاله على الواقع؛ لكن من قال إن التغيير مستحيل؟ بالإرادة، والتخطيط السليم، والعمل الجاد، يمكن فتح طريق جديد، شرط أن نواجه تحديات الحاضر بوعي وصدق، ونضع مصالح البلاد فوق أي انتماءات ضيقة.

 

التعتيم السياسي في العهد السابق

 

عانت البلاد، منذ منتصف القرن العشرين، من قيود صارمة على الحياة السياسية جعلتها حكراً على أشخاص مقربين من السلطة. دفع ذلك السياسيين، على وجه الخصوص، وعامة الشعب إلى اتباع سياسة النأي بالرأي، أو الهرب خارج البلاد سعياً لنيل حرية التعبير. الأمر الذي فرض على الشارع السوري تأييد الثورة التي انطلقت شرارتها في منتصف آذار 2011، والتي صرخت بوجه الظلم والاستبداد. وبمشهد غير مسبوق، اتبع النظام أسوأ أنواع القمع والقتل الممنهج، وبمراحل متقدمة استعان بقوى داخلية وخارجية لإخماد هذه الانتفاضة، مما حول البلاد إلى ساحة حرب متعددة الأطراف.

 

معوقات تحقيق الديمقراطية ما بعد التحرير

 

لا يمكننا إنكار أن الحالة التي تعاني منها البلاد في الوقت الحالي بعد التحرير تخلق عثرات وتضع حواجز عديدة أمام تحقيق الديمقراطية المنشودة، ومنها:

 

  1. انقسام المجتمع السوري: تركت الحرب الطويلة خلفها مظاهر مؤلمة مثل التطهير العرقي، وانتشار فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي قائمة على أساس احتقار ديني أو مناطقي، مما خلق شرخًا كبيرًا في النسيج المجتمعي السوري. هذا يضع الحكومة الحالية في مأزق كبير عند طرح فكرة تحقيق التقارب المجتمعي مجددًا والقبول بفكرة التشاركية.

 

  1. الضعف أو الانهيار المؤسساتي: تعاني البلاد من حالة دمار في البنية التحتية، وخاصة مؤسسات الدولة، نتيجة القصف المستمر والعشوائي الذي شنّه النظام السابق، إضافةً إلى تراكم مظاهر الفساد ضمن أروقة مؤسساته، وتسليم مناصب لأشخاص غير أكفاء، مما ساهم بوضع هذه المؤسسات في حالة يرثى لها.

 

  1. التدخل الخارجي في الشأن السوري: لا تزال التدخلات الإقليمية والدولية في الداخل السوري قائمة وبشكل عميق في بعض الأحيان، مما يجعل تطبيق الديمقراطية عملية معقدة ذات أبعاد متعددة.

 

تطبيق الديمقراطية المرتقبة ما بعد التحرير

 

إذا أردنا التحدث عن تحقيق نموذج ديمقراطي متكامل، يجب أن نستند إلى ركائز أساسية لتحقيق هذا الهدف، منها:

 

  1. وضع دستور شامل يمثل جميع السوريين: لا يمكن الحديث عن تطبيق الديمقراطية دون تنظيم عقد اجتماعي عصري يراعي ويحترم جميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية والقومية، وضمان مشاركتهم الفعالة في كتابة هذا الدستور بشكل عادل.

 

  1. العدالة الانتقالية: من الملفات الحساسة والمهمة التي لا يجب إغفالها؛ فمن الضروري فتح ملفات الانتهاكات الجسيمة التي حدثت، ومعاقبة المجرمين، وضمان عدم إفلات المتورطين من العقاب عند ثبوت إدانتهم بأدلة قاطعة.

 

  1. إعادة بناء مؤسسات الدولة: العمل بالطاقة القصوى وتسخير كافة الإمكانيات والخبرات لإعادة بناء هيكلية دولة سليمة قائمة على مؤسسات عادلة، أهمها القضاء، والتعليم، والإعلام، والتي تلغي فكرة تمجيد الأفراد وتغرس روح المواطنة والتشاركية.

 

  1. إجراء انتخابات حرة ونزيهة: لضمان انتقال سياسي عادل للسلطة، يجب إجراء انتخابات شفافة، مع مراقبة دولية، تتيح للشعب اختيار ممثليه بحرية مطلقة.

 

الاستعانة بتجارب دول أخرى

 

نتيجة للتجارب السابقة التي خاضتها دول أخرى في مجال تحقيق الديمقراطية، مثل التجربة التونسية التي وضعت دستورًا توافقياً وأجرت انتخابات نزيهة رغم بعض العثرات، وتجربة جنوب أفريقيا التي تجاوزت مرحلة الفصل العنصري من خلال مصالحة وطنية، كان من الواجب على الحكومة السورية الاستئناس بهذه الخبرات لتعزيز فرص تطبيق الديمقراطية.

 

إحصائيات داعمة:

 

تشير تقارير من مركز بيو للأبحاث إلى أن نسبة الثقة في المؤسسات الحكومية في سوريا لا تتجاوز 15%، مما يبرز حجم التحدي في إعادة بناء الثقة المجتمعية.

 

وفقًا لـ تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 6 ملايين سوري لاجئ في الخارج منذ بداية الأزمة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على التوازن الاجتماعي والسياسي داخل البلاد.

 

في استطلاعات رأي محلية، أعرب أكثر من 70% من السوريين عن رغبتهم في نظام ديمقراطي قائم على العدالة وسيادة القانون.

 

هل تطبيق الديمقراطية في سوريا أمر واقع أم سراب؟

 

لا نستطيع إنكار أن الوضع الراهن محفوف بالمخاطر والمصاعب، ومليء بالعثرات، لكنه ليس مستحيلاً. يتطلب الأمر تكاتف المجتمع، واختيار قيادات تعمل بجد لترسيخ الديمقراطية، وإزالة العقبات التي تعترض هذا الطريق.