مقالة رأي
الكاتب : مصعب الصالح
تلعب المرأة دورًا محوريًا وأساسيًا في مجتمعاتها منذ القدم، إذ تعتبر قائدة داخل أسرتها وصانعة للسلام في أوقات
النزاعات. تتحمل مسؤوليات كبيرة تتراوح بين تربية أبنائها ورعايتهم إلى المساهمة في قيادة الدول. ولكن في العقود الأخيرة، لا سيما في مناطق النزاعات والحروب تراجعت قدرات المرأة بشكل ملحوظ، وأصبح دورها المجتمعي محدودًا. ففي سوريا التي أصبحت مقسمة بين قوى متنازعة، تقلص دور المرأة وانكفأت على نفسها، بسبب ما تعرضت له من تهميش وعنف واستغلال.
منذ عقود تسيطر في مدينة دير الزور السورية، عادات وتقاليد تشكل قيودًا كبيرة على النساء، تزايدت حدة خلال الحرب. فالنساء فيها يعانين من الحرمان من التعليم والميراث، بالإضافة إلى الزواج القسري والمبكر. كما أن سيطرة التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش، أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوقهن، وجعلتهن الفئة الأكثر تضررًا. في تلك الفترات، اقتصر دور النساء على الأعمال المنزلية تحت ضغوط وقمع مستمرين، كما تعرضت النساء الإيزيديات لجرائم شنيعة.
ومع مرور الوقت، بدأت الظروف تتغير قليلاً، مما هيأ لبعض النساء فرصًا للمشاركة في العمل والانخراط في مبادرات مجتمعية، حيث تمكنت بعض النساء من المشاركة في مشاريع صغيرة وتلقي تدريبات مهنية، مما ساعدهن في تحسين أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، ظل هذا التقدم محدودًا بسبب القيود المفروضة من العادات والتقاليد.
دور المرأة في بناء السلام
مشاركة النساء في عمليات بناء السلام تعد عنصرًا أساسيًا لضمان نجاحها، فهن يشكلن نصف سكان العالم، ولا بد أن يكون لهن دور في صناعة الحلول. فالنساء يتميزن بذكاء عاطفي وقدرة على التعاطف، وهما ميزتان يمكن أن تقللا من العنف وتخففا من حدة النزاعات. ورغم أن النساء غالبًا ما يتأثرن بشكل أكبر بالصراعات، إلا أنهن يؤدين دورًا مهمًا في تحقيق السلام.
في سوريا، وتحديدًا في دير الزور، كانت النساء الضحية الأساسية للصراع، لكنهن أيضًا كنّ عناصر فعالة في صنع السلام. وفي بعض الأحيان، تكون المرأة، وخاصة الأم، هي صاحبة القرار الحاسم في حل النزاعات داخل الأسرة والمجتمع، مما يسهم في تعزيز استقرار المجتمع. إن استبعاد النساء من عمليات صنع القرار يؤدي غالبًا إلى فشل العديد من مبادرات السلام. لذا، فإن تمكينهن وإشراكهن في هذه العمليات سيؤدي إلى حلول أكثر شمولية واستدامة.
كما أن دعم النساء من خلال المشاريع الصغيرة وبرامج التدريب يعزز من دورهن في المجتمع ويتيح لهن فرصًا أكبر للمساهمة. كذلك فإن دور المرأة في التعليم لا يقل أهمية، فهي تتحمل مسؤولية تعليم وتربية الأجيال، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك.
ختاماً، يجب إعادة ثقة المرأة في قدراتها، حتى تستمر في العمل من أجل التغيير. فالنساء اللواتي يكافحن من أجل حقوقهن ومكانتهن، سيكنّ عناصر فاعلة في بناء السلام وتعزيز الاستقرار.
لذلك ينبغي أن تستمر جهود المنظمات في تشجيع النساء على المشاركة في حملات التوعية وبرامج التدريب والتأهيل السياسي والاجتماعي، وفي دعمهن بالمشاريع الصغيرة، وخاصة الأرامل منهن، وهو ما سينعكس على المجتمع ، ليكون أكثر تماسكًا واستقراراً وسلاماً.