تدمير سورية بين سيكوباتية نظام الإجرام الأسدي ومنهجية قمع الشعب السوري الثائر
فيحاء العبار

المركز التاسع

 

تدمير سورية بين سيكوباتية نظام الإجرام الأسدي ومنهجية قمع الشعب السوري الثائر

بعد عدة عقود من الحكم الدموي الفئوي الديكتاتوري التي مكث تحتها الشعب السوري في ظل شبح الأب المجرم الأكبر حافظ الأسد، استفاق السوريون على وريث قاصر للسلطة، ولكن أكثر رعونة من أباه، وهو الوريث غير الشرعي للحكم بشار حافظ الأسد.

تابع الابن خطواته في المزيد من الاستئثار بالسلطة وقمع الحريات وقضى على أي من الممارسات الديمقراطية، واستمر في بناء المزرعة التي ورثها عن أبيه.

لكن جيلاً جديداً أكثر حباً للحرية وشغفاً بالعيش الكريم كان مقدراً له أن يولد في هذه الحقبة التاريخية من تاريخ سورية الحديث، رفض سياسة الاستعباد التي يمارسها النظام في دمشق ويغالي فيها. وولدت من رحمها ثورته السلمية ضد هذا الطاغية في 15 من آذار/ مارس 2011 رداً على ممارسات قمعية إجرامية بحق أطفال من درعا، ثم عمت التظاهرات أرجاء المناطق السورية. فما كان من نظام الإبادة في دمشق إلا أن اتخذ قراراً باستخدام استراتيجية لإعادة جماهير الثورة من الشعب الرافض لهذا الحكم إلى الطاعة والامتثال لأوامر الديكتاتور وقلعته الحصينة. فبدأ بسياسة تدمير ممنهجة لإضعاف واخضاع الشعب الثوري الأبي، حيث عمل على تجيش وعسكرة الثورة ليتثنى له استخدام السلاح ضد المتظاهرين لعمل على كسر مقاومتهم وثباتهم وتهديد حياتهم وحياة أسرهم من خلال ضربات مستمرة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة لتظاهراتهم.

دعم النظام إعادة تهريب السلاح وسهل انتشاره بين الثائرين، كما روج لبث فتنة الحرب الأهلية بين المناطق.

تصاعدت وتيرة استهداف المتظاهرين والمدن بالأسلحة الثقيلة والكيميائية مع تقدم الثوار وبدء سيطرتهم على بعض المناطق. وبدأ سياسة لتدمير الأبنية والحاضنة الشعبية للثوار، مما نتج عنه تشريد الأهالي والنزوح وخروج الكثير من المرافق العامة عن الخدمة مثل المشافي والطرق والجسور وغيرها.

بدأ إفراغ الكثير من القرى من سكانها بالتهجير القسري، ورافق ذلك نزيف الكفاءات إلى خارج البلاد. دمر الثروة الشبابية وهي عماد القوة البشرية في المجتمع السوري إما بالقتل أو بالاعتقال والتصفية داخل المعتقلات، حيث تجاوز عدد الضحايا المليون شخص بين شهيد ومفقود من جميع الأعمار والأجناس.

عملت هذه السياسة على إفقار الشعب السوري، وأصبح يواصل سعيه للحصول على لقمة عيشه في ظل انعدام أساسيات الحياة.

استعان مع الوقت لقمع الحريات وتدمير سورية بحلفائه من الروس والإيرانيين وميليشيا حزب الله وميليشيات متنوعة أخرى. حيث فقدت سورية 80% من البنى التحتية الخاصة بالكهرباء والمشافي والمنشآت الاستراتيجية.

لم تسلم الأراضي الزراعية والمحاصيل والأشجار بأنواعها والغطاء النباتي من إجرام هولاكو العصر بشار الأسد وجلاديه ومعاونيه، حيث عملوا وبالاستعانة بمرتزقتهم إلى احراق المحاصيل الاستراتيجية في كثير من المناطق الشرقية والشمالية كالقمح وغيره، ودمروا الأراضي الزراعية لكسر إرادة الشعب وتجويعه. أيضاً تم قطع الأشجار لبيع أخشابها وخاصة أشجار الزيتون وغيرها، فقد تم تدمير أشجار الغوطتين الغربية والشرقية، فمثلاً فقدت الغوطة الشرقية نحو 80% من أشجارها وفي بعض البلدات مثل المليحة تم فقد 100% من أشجارها بالقطع والإحراق، مما نتج عنه تدهور بيئي وتصحر في المنطقة وفقدان الموارد، مما يؤثر على حياة الناس التي تعتمد على الزراعة، وكل ذلك للضغط على الشعب وتركيعه، ومنع سورية من الانطلاق نحو الازدهار مستقبلاً فيما لو استعادت حريتها.

تم ضرب الكثير من المآثر التاريخية والآثار السورية بالطائرات التي استخدمها النظام البائد ضد الشعب السوري ومدنه وقراه.

ساهمت القوى التي ساندت الأسد أيضاً بتدمير القرى والمدن بالإضافة أنها حولت الجيش الأسدي إلى قوى عسكرية خاوية وعالة على الشعب السوري وعلى حلفاء النظام المجرم، فالتف جنوده وضباطه إلى السرقات وتعفيش المنازل وجمع الأموال عبر انتشار الحواجز واستفزاز أهالي المعتقلين من الشعب السوري والمتاجرة بدمائهم وأرواحهم.

نتيجة الممارسات الممنهجة في التدمير واستباحة الإنسان وحقوقه دون الالتفات إلى أي من المطالبات الدولية سواء من الدول أو المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، فرضت على سورية الكثير من العقوبات الاقتصادية والعسكرية وغيرها، وأشهرها عقوبات قانون قيصر الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019، الذي فرض قيوداً على التعاملات مع الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية وقيوداً على تصدير السلع والخدمات إلى سورية، بالإضافة لمنع الاستثمار والعمل في سورية مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سورية وأحاطت حياة المدنيين بالكثير من البؤس والشقاء.

كل هذا فعله نظام الأسد وخلال 14عاماً دون أدنى شعور بالذنب أو المسؤولية، إنما فعله للحفاظ على سلطته وكرسيه، كما أشار لذلك فاروق الشرع في مذكراته، حيث قدم رؤية فريدة ومثيرة عن شخصية بشار الأسد ليس بوصفه رئيساً للسلطة وإنما كشخصية تحمل اضطراباً نفسياً وعصبياً خطيراً، قال عنه بعضهم أنه انفصال عن الواقع، وآخرون رجحوا أنه الشعور بالعظمة. وقد أطلق عليه فاروق الشرع السيكوباتية السياسية (Psychopathy)، ويبدو أنها متقدمة عند بشار الأسد، وهي حالة من السطحية في التعامل، وهذا ما كنا نلحظه خلال سنوات الثورة خلال لقاءات الأسد وخطاباته المضحكة، وهذه الحالة يتسم فيها الشخص بالأنانية المفرطة وعدم الشعور بالتعاطف والندم أو الذنب على أي شيء يقوم به الإنسان. بالإضافة لكثرة الكذب والتلاعب وسلوكيات معادية تجاه الآخرين. وهل أكثر من هذا العداء الذي أبداه هولاكو سورية تجاه الإنسان من مكونات الشعب السوري وممتلكاته وثرواته ومصادرة حرياته.

وفي نهاية المطاف استنشق الشعب السوري حريته بعد 14 عاماً من المعاناة والقمع والقتل والتشريد والإذلال في الساعة السادسة من صباح الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من عام 2024.

ونسعى لأن يكون هناك برامجاً وخططاً لإعادة إعمار سورية وبناء الإنسان فيها، وترميم وعلاج ممنهج لكل ما سببته سنوات القمع والتدمير من آثار سلبية على الإنسان وبيئته. ليعود الشعب السوري فعالاً في عملية البناء من أجل إنقاذ ما تبقى من سورية والإنسان فيها، بعدما دمرها القمع الأسدي واستباح الحريات والممتلكات فيها.

 

المراجع References

1- مذكرات فاروق الشرع- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- الجزء الثاني. دمشق 2000- 2015

2- التدمير الممنهج- من سرايا الدفاع إلى الحرس الثوري الإيراني- بشار يوسف. دمشق 26/ 7/ 2020

3- قصة مكان “تدمر” لؤلؤة سوريا بانتظار الترميم. أحمد عيسى. 21/ 1/ 2019. صحيفة الأهرام

4- الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج- الحرب السورية بالوثائق السرية. سامي كليب. مكتبة مؤمن قريش، دار الفارابي- الطبعة الخامسة. كانون الثاني 2016. 677 ص

5- إسقاط النظام السياسي السوري (نظام بشار الأسد) المقدمات- الآثار والتداعيات المحتملة. مركز حمورابي. أ. د. سعيد عبيد السعيدي، د. عمار عباس الشاهين، م. م. حنين محمد الوصلي، م. م. نور نبيه جميل. 4/ 1/ 2025. 28 ص