القيادة الناجحة… صفاتها ودورها في تعديل القوانين التمييزية بين الرجل والمرأة

منال الفرج

المركز الثامن

 

المقدمة:
تعد القيادة الناجحة حجر األساس في نهضة المجتمعات وتطورها، فهي
التي تضع الرؤية، وتحفّز اآلخرين لتحقيق األهداف. وعندما تمتزج القيادة
الناجحة بروح العدالة والمساواة، يصبح لها دور محوري في تعديل القوانين
التمييزية وضمان الحقوق لكافة أفراد المجتمع بغض النظر عن النوع
االجتماعي. يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على صفات القيادة
الناجحة، وأثرها في تحقيق العدالة الجندرية، وخاصة في ما يتعلق بتعديل
القوانين التمييزية بين الرجل والمرأة.
ففي سوريا:
ال يزال قانون األحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953 )مع تعديالت الحقة(
يحتوي على مواد تمييزية ضد المرأة، مما يتعارض مع مبدأ المساواة
المنصوص عليه في اإلعالن الدستوري السوري، ومع االتفاقيات الدولية
التي صادقت عليها سوريا، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز
ضد المرأة )سيداو(.

.1 المادة :21 تشترط موافقة الولي على زواج الفتاة، حتى لو كانت راشدة، مما ينتقص من أهليتها القانونية.
.2 المادة 117الطالق التعسفي: تمنح الرجل حق الطالق بإرادة منفردة ودون الرجوع إلى المحكمة،
بينما تُقيّد المرأة بشروط وإجراءات صعبة للحصول على الطالق.

.3 المادة :146 تمنح حق الحضانة للمرأة حتى سن معينة )غالبًا 15 سنة(، وبعدها تنتقل الحضانة تلقائيًا إلى األب،
دون مراعاة مصلحة الطفل دائ ًما.

.4الوالية على األطفال: تبقى لألب بشكل حصري، حتى في حاالت الطالق، مما يحد من قدرة األم على اتخاذ
قرارات تخص تعليم أو سفر أوالدها.

.5الميراث: وإن كان تابعًا للشريعة اإلسالمية، إال أن هناك مطالبات بإعادة النظر في بعض تطبيقاته لضمان
عدالة اجتماعية أوسع، خاصة في ظل األوضاع االقتصادية المتغيرة

من أبرز
هذه
المواد:

أوًال: تعريف القيادة الناجحة:
هي القدرة على التأثير في اآلخرين وتحفيزهم لتحقيق أهداف مشتركة بفعالية
وكفاءة، مع مراعاة القيم األخالقية والعدالة االجتماعية. وهي ال تقتصر على
اإلدارة فقط، بل تشمل التوجيه، واإللهام، وصناعة التغيير.

ثانيًا: صفات القائد/ة الناجح:

ا استراتيجية تشمل تمكين

.1 الرؤية الواضحة: امتالك تصو ًرا واض ًحا للمستقبل، ووضع أهدافً
جميع فئات المجتمع، ويضعون المساواة الجندرية كأحد أهدافهم األساسية، مما ينعكس على
السياسات والقرارات التي يتخذونها..
.2 العدالة والحيادية: معاملة الجميع بالمساواة، والحرص على توزيع الفرص بعدل وضمان أن
يكون التقدم الوظيفي مبنيًا على الكفاءة ال النوع االجتماعي، مما يُحفّز النساء على المشاركة
الفعالة.
.3 القدرة على التواصل: اتقان مهارات اإلنصات والحوار، والقدرة على نقل أفكارهم بوضوح.
.4 الذكاء العاطفي: فهم مشاعراآلخرين والقدرة على التعامل معها بفعالية.
.5 . المرونة والقدرة على التكيف: ال للتمسك بالجمود، بل مواكبة التغيير واحتضانه.
.6 اإليمان بالقيم اإلنسانية: االيمان بحقوق اإلنسان والمساواة بين الجنسين.
.7 الشجاعة في اتخاذ القرار: تحمل المسؤولية، وعدم التردد في اتخاذ قرارات جريئة وصائبة.

ا
ً
ثالث : دور القيادة في تعديل القوانين التمييزية بين الرجل والمرأة:
.1 دعم التعليم ونشر الوعي بالمساواة:
القادة الناجحون يستخدمون منابرهم للتوعية بحقوق المرأة، ونبذ التمييزمن خالل خطابهم العام وبرامجهم
التوعوية، مما يخلق رأيًا عا ًما داع ًما للتغيير ويعملون على إزالة الصور النمطية عن المرأة من خالل دعم التعليم
المتساوي، ووسائل اإلعالم.
.2 التأثير في صناع القرار:
وذلك عبر حضورهم السياسي واالجتماعي حيث يستطيع القادة التأثير في التشريعات وتقديم مقترحات لتعديل
القوانين المجحفة التي تُميّز ضد المرأة سواء في العمل، أو األجور، أو الحقوق المدنية..
.3 تمكين المرأة في مواقع اتخاذ القرار:
القائد/ة الواعي/ة يعمل على خلق فرص متكافئة بين الرجال والنساء، ويُشجع وصول النساء إلى مواقع القيادة
و ُصنع القراروتخصيص كوتا للنساء، مما يعزز تمثيل المرأة في مجاالت كانت حكًرا على الرجال.
.4 إصالح األنظمة والمؤسسات :
القائد/ة الناجح/ة يراجع السياسات الداخلية للجهات التي يقودها ويزيل التمييز من جذوره.
.5 النموذج القدوة:
القادة الملتزمون بالمساواة يقدمون نموذ ًجا يُحتذى به، ويكسرون الصور النمطية السائدة عن أدوارالجنسين فعندما
يتبنى القائد/ة مبدأ المساواة في تعامالته اليومية )في التوظيف، توزيع المهام، التقدير، والترقيات(، فإنه يُر ّسخ
ثقافة مؤسسية ومجتمعية تقوم على العدل بعيدًا عن التمييز..
.6 االستجابة لقضايا المرأة:
القائد/ة الناجح/ة يصغي لقضايا النساء ويتعامل معها بجدية، سواء كانت متعلقة بالعنف، أو التمييز، أو نقص
الفرص، ويتخذ خطوات عملية لمعالجة هذه المشكالت ضمن أجندته القيادية.
.7 التنسيق مع رجال الدين المعتدلين :إلعادة تفسير النصوص الفقهية بما يتوافق مع متغيرات العصر
وحقوق المرأة.
.8 المرونة والتدرج: ال يفرض التغيير فجأة، بل يُقنِع الناس ويهيّئ البيئة القانونية واالجتماعية له.

تواجه القيادة الناجحة تحديات عند سعيها لتعديل القوانين التمييزية، خصو ًصا تلك المتعلقة
بالمساواة بين الرجل والمرأة. هذه التحديات قد تكون سياسية، اجتماعية، دينية، أو حتى قانونية،
وتختلف حدّتها من بلد إلى آخر.

– 1. ✅المعارضة المجتمعية والعادات والتقاليد :
المجتمعات المحافظة غالبًا ما ترفض تغيير القوانين التي تعتبرها جز ًء “الثوابت الثقافية أو الدينية”. ا من
القيادة تواجه رف ًضا شعبيًا عند محاولة تعديل قوانين مثل الزواج، الطالق، والميراث، حتى لو كانت تمييزية ضد
المرأة.
2. ✅التأثير الديني والفقهي:
بعض القوانين مستندة إلى تفسيرات دينية تقليدية، وأي محاولة لتعديلها تُواجه بمعارضة من بعض رجال الدين.
غياب فقه تجديدي عصري يجعل التغيير صعبًا ويضع القيادة في مواجهة مع مؤسسات دينية قوية.
3. ✅ضعف اإلرادة السياسية:

ا من فقدان التأييد الشعبي أو السياسي.

كثير من القادة يتجنبون الدخول في قضايا “شائكة” خوفً
تُر ّجح القضايا االقتصادية واألمنية في األولويات، بينما تُهّمش قضايا المساواة الجندرية.
4. ✅سيطرة الفكر الذكوري داخل مؤسسات الدولة:
معظم البرلمانات ومجالس الشورى تهيمن عليها شخصيات محافظة وذكورية تعارض التعديالت القانونية
الداعمة للمرأة.
ضعف تمثيل المرأة في مواقع القرار يعق . ّد عملية اإلصالح القانوني
فيما يلي أهم التحديات :

5. ✅مقاومة من وسائل اإلعالم التقليدية:
بعض وسائل اإلعالم تنشر خطابًا محاف . ًظا أو معاديًا للمساواة، مما يضعف الدعم الشعبي ألي إصالح
يتم تصوير القادة الداعمين لتعديالت قانونية عادلة بأنهم “يتعدّون على الدين أو يقّوضون األسرة”.
– 6. ✅ضعف التوعية القانونية لدى العامة:
الكثير من أفراد المجتمع ال يدركون أن بعض القوانين تميّز ضد المرأة وغياب التثقيف القانوني يجعل الناس أقل
دع ًما ألي تغيير.
– 7. ✅بطء العملية التشريعية:
تمرير القوانين عبر البرلمان قد يحتاج وقتًا طويالً ويتطلب توافقات سياسية دة ووجود

معق أولويات تشريعية أخرى ّ

قد يؤخر التعديالت.
8. ✅غياب الدعم المؤسسي أو الدولي:
في بعض األحيان، تفتقر القيادة إلى دعم مؤسسات حقوقية قوية محليًا أو دوليًا.
الضغط السياسي الخارجي قد يُستخدم فقط في إطار حقوق اإلنسان العامة دون التطرق لتفاصيل قوانين األسرة.

– 9. ✅الخوف من “تفكك األسرة:
»تُستخدم حجج مثل “حماية األسرة” أو “استقرار المجتمع” لتبرير استمرار القوانين التمييزية.هذه الحجة
تُستخدم عاطفيًا لتثبيط التغيير، رغم أن المساواة القانونية تعزز االستقرار ال العكس.

المدة األهداف الخطوات

م المرحلة الزمنية

.1 تشكيل فريق استشاري من قانونيين/ات، علماء اجتماع،
وممثلين /ات عن منظمات نسائية
.2 مراجعة القوانين الوطنية والدستور واالتفاقيات الدولية مثل
“سيداو”.
.3 إعداد تقرير شامل بالمواد التمييزية وتوصيات التعديل.

• دراسة القانون الحالي وتحليل
المواد التمييزية.
• تقييم األثر االجتماعي والقانوني
لهذه المواد.

1 التحضير والتقييم 3–6 أشهر

.1 عقد حوارات مجتمعية ولقاءات مع رجال دين معتدلين.
.2 التنسيق مع منظمات حقوقية محلية ودولية.
.3 توظيف اإلعالم ومنصات التواصل لنشر التوعية.
.4 إطالق حملة توعوية بعنوان )مثالً(: “القانون للجميع – المساواة
تحمينا”.

• كسب دعم سياسي، شعبي،
وديني للتعديالت المقترحة.

2 بناء التحالفات وكسب التأييد 6–9 أشهر

.1 صياغة قانونيّة دقيقة تراعي التوازن بين المساواة والموروث
الثقافي.
.2 التنسيق مع أعضاء البرلمان المؤيدين.
.3 تقديم المقترحات رسميًا بصيغة مشاريع قوانين أو تعديالت.

• تحويل التوصيات إلى مسودات
قانونية قابلة للعرض على
3 صياغة مقترحات التعديل 2–4 أشهر البرلمان أو الجهات المختصة.

.1 تقديم المشروع للجان البرلمانية المختصة )مثل لجنة الشؤون
االجتماعية أو الدستورية(.
.2 التفاوض مع األطراف المعارضة أو المترددة.
.3 تنظيم حمالت ضغط مدني )عبر المجتمع المدني واإلعالم(.

• تمرير التعديالت من خالل
4 الضغط التشريعي والتفاوض 6–12 شه ًرا المسار الدستوري.

.1 تصويت على التعديالت وإعالنها رسميًا.
.2 تدريب القضاة والقاضيات والمحامين /ات على تطبيق القانون
المعدل.
.3 متابعة تنفيذ القوانين من خالل مؤسسات الدولة.

• اقرار التعديالت رسميًا وتنفيذها
5 اإلقرار والتنفيذ 3–6 أشهر على أرض الواقع.

.1 إجراء استطالعات رأي ومراجعات دورية.
.2 تعديل بعض البنود عند الحاجة.
.3 تقديم تقارير دورية حول التح ّسن في العدالة الجندرية.

• قياس األثر االجتماعي
6 التقييم والمراجعة مستمرة والقانوني للتعديالت.

المدة اإلجمالية المتوقعة: سنتان إلى ثالث سنوات، مع اعتماد مبدأ التغيير التدريجي المستدام.
رابعا:ً خطة زمنية للقائد الناجح لتعديل القوانين التمييزية

: نماذج لقادة ساهموا في تعديل قوانين تمييزية:

خامساً
نيلسون مانديال: دعا إلى المساواة بين جميع المواطنين، بمن فيهم
النساء، وساهم في إنهاء التمييز العنصري والجندري في جنوب
إفريقيا.
جاكلين موغيندا )رواندا(: كانت من أبرز القائدات في سن قوانين
تدعم المرأة بعد اإلبادة الجماعية، مما جعل رواندا من أوائل الدول
في تمثيل المرأة بالبرلمان.
.

الخاتمة

القيادة الناجحة ال تُقاس فقط باإلنجازات االقتصادية أو السياسية، بل بمدى قدرتها
على تحقيق العدالة االجتماعية. وفي مجتمعاتنا التي ما زالت تعاني من بعض
القوانين التمييزية ضد المرأة، تبقى الحاجة مل ّحة إلى قادة يتحلون بالحكمة
والشجاعة لتغيير الواقع، وبناء مجتمع يقوم على اإلنصاف والمساواة. فبوجود
قيادة قوية وعادلة، يمكن تجاوز التمييز وتحقيق نهضة شاملة تستوعب الجميع.
حدث تحوًال حقيقيًا عندما تكون واعية لقضايا النوع االجتماعي،

القيادة الناجحة تُ
وتستخدم قوتها في التأثير واإلصالح لضمان عدالة شاملة. إن تعزيز المساواة بين
الرجل والمرأة ال يكون بالشعارات فقط، بل بالفعل المستند إلى قيم القيادة الحكيمة
والشجاعة.
فالقيادة الناجحة ال تنتظر الظروف، بل تصنع التغيير عبر الرؤية، التأثير، والتحرك
االستراتيجي. وتعديل القوانين التمييزية ال يتم بالقوة، بل بالحكمة، الحوار،
والقدرة على بناء إجماع وطني يؤمن بأن العدالة ال تعني االنقسام، بل هي طريق
التقدم الحقيقي.

المراجع :
.1 كتاب “القيادة والتحفيز” – جون أدير.
.2 األمم المتحدة – تقارير المساواة بين الجنسين.
.3 تقارير البنك الدولي حول تمكين المرأة والتشريعات
.4قاانون األحوال الشخصية السوري )رقم 59 لعام 1953
وتعديالته(.
.5اتفاقية “سيداو”.تقارير منظمات حقوق اإلنسان السورية.
.6مقاالت ودراسات حول القيادة والمساواة الجندرية.